أرض بلا طريق

21 أكتوبر 2020آخر تحديث :
أرض بلا طريق

يامن نوباني

 منذ بدايات الثمانينات فقدَ عامر أبو حجلة، الطريق إلى أرضه، التي تبعد 100 متر عن بوابة مستوطنة “ياكير” المقامة على أراضي دير استيا شمال سلفيت، لكنه لم يفقد أثر خطواته إلى هناك، وبقي محتفظاً بغبار التراب، والتعثر بالأحجار والأشواك في الطريق وعلى جانبيها، عائدا إلى هناك بين فترة وأخرى غير آبه لاعتداءات المستوطنين عليه وطرده في كل مرة، تحت حماية حارس المستوطنة المسلح، والذي سرعان ما يستنجد بجيش الاحتلال وشرطته كلما رأى أبو حجلة يقترب من المكان.

في العام 1982، أقيمت مستوطنة “ياكير” فوق أراضٍ اعتبرها الاحتلال “أملاك غائب وأراضيَ مشاع”، ومحمية طبيعية، مانعا أصحابها من الوصول إليها واستصلاحها.

 على تلك التلال الجذابة، الممتدة والملتفة حول دير استيا والتي في معظمها صنفها الاحتلال “محمية طبيعية”، أقيمت سبع مستوطنات والعديد من الأماكن الترفيهية والمسارات للمستوطنين، وعلى أجزاء من تلك الطبيعة الساحرة، أقيمت قواعد تدريب للجنود، وأماكن عسكرية مغلقة.

دير استيا، بلد الزيتون، ثالث بلدة فلسطينية في انتاج زيت الزيتون بعد عصيرة الشمالية ودير الغصون، وضع الاحتلال يده على 11 ألف دونم من أصل 36 ألف دونم هي المساحة الكلية للبلدة، تحت ذريعة “محمية طبيعية”، فيما الظاهر مستوطنات وتوسيع لمخططاتها الهيكلية وبناء لا يتوقف من الوحدات الاستيطانية.

للوصول إلى أرض أبو حجلة، يسلك القاصد طريقا ترابيا مقطوعا، حيث لا مارة ولا بيوت قريبة، طريقا أشبه بالنزول إلى واد عن يمينه أشجار كثيفة، وعن يساره مستوطنة، لذا يبدأ المشوار بالخوف من اعتداءات حارس المستوطنة ومجموعات المستوطنين الذين سرعان ما يهاجموا أي فلسطيني يقترب من المكان.

في الطريق أيضا إشارات تمنع دخولها بحجة أنها منطقة عسكرية مغلقة، مخصصة لتدريبات عسكرية، حيث يُرى الرصاص الفارغ متناثرا على طول الطريق.

 بعد السير مسافة خمس دقائق، لا تستطيع السيارة الاستمرار بسبب وعورة الطريق، لتضطر استكمال الطريق مشيا على الأقدام لمسافة خمس دقائق أخرى.

وصلنا مع أبو حجلة والناشط في الدفاع عن الأراضي رائد سلمان، اللذان كانا يحذران طوال الطريق من حارس المستوطنة والمستوطنين.

ما أن رأى أبو حجلة بركة المياه (وهي فقط بمساحة 2×2 متر) التي طمرها قبل أسبوع فقط بمساعدة نشطاء سلام وأجانب ومتطوعين وأهالي البلدة، وقد عادت نظيفة ومليئة بالمياه وجاهزة للسباحة، حتى جن، وبدأ بطمرها منذ الثواني الأولى لرؤيتها، لكن وكما توقع فبعد دقيقة واحدة وصل حارس المستوطنة المسمى “يائير”، ليتهجم على أبو حجلة في محاولة لمنعه من تخريب البركة، وتهديده بالجيش والشرطة.

أبو حجلة لم يكترث لتهديدات يائير المسلح، بل طالبه بمغادرة أرضه، وانضم إليه رائد مطالبا الحارس بسرعة المغادرة وأن لا علاقة له بما نفعله بأرضناحارس المستوطنة، ترك بابها مفتوحا، ليتسلل أول مستوطن في بدايات العشرينات، مهددا ومتهجما، قبل أن يلحقه أكثر من 15 مستوطنا، وعدد من جنود الاحتلال، ويقوموا بطردنا من المكان بعد احتجازنا لأكثر من ساعة.

يقول أبو حجلة: حارس المستوطنة هو الأكثر تآمراً على أرضه، وهو من سمح لهم في شباط الماضي بإدخال مواد البناء إلى الأرض واستغلال تنفيسة خط مياه قريبة لملء البركة، ورغم طمرها وهدمها، إلا أنه سمح لهم مجددا بالعودة إليها وتجهيزها مرة أخرى.

تعود حكاية أبو حجلة مع أرضه إلى أكثر من 38 عاما، حين منع من الوصول إليها، ليقوم والده برفع دعوى في المحكمة العليا التابعة للاحتلال عام 1986، والتي اعترفت بملكية أبو حجلة للأرض، لكن الاحتلال عاد في العام 2013 ليعلن الاستيلاء عليها، ما دفع أبو حجلة للدفاع عنها مجددا أمام محاكم الاحتلال، لينتزع مجددا في 2017، قرارا بمليكتها، لكن رغم القرار بقيت الأرض بعيدة عن يد أبو حجلة، فالطريق إليها ممنوعة، ولو سمحت، ستكون خطيرة جدا.

بعد مغادرتنا المكان، اضطررنا لإجراء المقابلات والتصوير في مكان آخر، لكنه أيضا مهدد من قبل الاحتلال ويصنفه كمحمية طبيعية، وهو واد قانا، لكن هنا الأوضاع أقل توترا ويوجد بضع مزارعين ورعاة مواشي يتواجدون يوميا في الواد.

في واد قانا، روى أبو حجلة ذكرياته مع (85 دونما) لعائلته في “المصلبة” المهددة، مستذكرا طفولته فيها قبل أن تُبنى “ياكير” وقبل أن يمنع من المشي إلى هناك، حيث كانوا يزرعون القمح والشعير والحبوب، ويحصدون محاصيلهم مع الفجر.

الاخبار العاجلة