المسحراتي … تراث رمضاني يندثر

19 يونيو 2016آخر تحديث :
المسحراتي … تراث رمضاني يندثر

يأتي المسحراتي في جوف الليل ليشقّ سكون الظلام بكلماته التي يردّدها “اصحى يا نايم وحّد الدايم”، جائلاً بين الشوارع ضارباً على الطبل، ليوقظ سكان الحي كباراً وصغاراً، شيوخاً وأطفالاً، تهلّل فرحين به، ليذهبوا لتناول وجبة السحور التي تعينهم على صيام نهار رمضان.

وقد ارتبطت شخصية “المسحراتي” في بالطبلة والزينة والفوانيس، هذا بجانب ما تضيفه من فرحة وبهجة تضفي روح رمضان على البيوت، كما ارتبطت أيضاً بالسير والحكايات الشعبية، مثل حكاية “أبي زيد الهلالي”، و”ألف ليلة وليلة”، وعلى الرغم من ظهور الأجهزة الذكية والمنبهات، فإن المصريين يفضّلون سماع طبلة وصوت المسحراتي في ليالي رمضان، ليطلون من الشرفات والنوافذ ويبدأون بالتهليل والمناداة بأسمائهم، ومع صخب عصرنا هذا وما دخل عليه من متغيّرات أصابت كل جوانب الحياة، وكان للتراث والعادات نصيب منها، وهو ما أثّر على هذا المظهر الرمضاني “المسحراتي” وأخذ يتلاشى تدريجياً، وأصبح شيئاً من الماضي لا نشاهده إلا في الأحياء الشعبية القديمة.

وتعود مهنة المسحراتي إلى العصر العباسي، حيث ظهر أول مسحراتي في عام 238 هجرية – 853 ميلادية خلال عهد الخليفة المنتصر بالله، وكان “عتبة بن إسحاق” والي مصر في تلك الفترة، حيث كان يطوف شوارع القاهرة ليلاً في رمضان لإيقاظ المسلمين ودعوتهم إلى تناول طعام السحور.

وكان “المسحراتي” في العصر العباسي يحمل طبلة صغيرة يدقّ عليها، مستخدماً قطعة من الجلد أو الخشب، ومعه طفل صغير يحمل مصباح لإنارة الطريق، وكانت النساء تترك له على باب منازلهن قطعة نقود معدنية ملفوفة داخل ورقة، فيأخذها ويدعو لأصحاب البيت وينادي بأسمائهم.

ولم تختلف كثيراً النداءات والعبارات التي كان يردّدها المسحراتي في العصر القديم عن عصرنا هذا، حيث كان يطوف الشوارع مردداً: “عباد الله تسحّروا.. فإن في السحور بركة”، وكان ينشد قصائد مقسّمة على أربع فترات، يقول في الأولى: “أيها النوّام قوموا للفلاح.. واذكروا الله الذي أجرى الرياح.. إن جيش الليل قد ولّى وراح.. وتدانى عسكر الصبح ولاح.. اشربوا عجلى فقد جاء الصباح”، وفي النداء الثاني يقول: “تسحّروا رضى الله عنكم.. كلوا غفر الله لكم.. كلوا من طيبات واعملوا الصالحات”، بينما ينشد في الثالث: “يا مدبر الليالي والأيام.. يا خالق النور والظلام.. يا ملجأ الأنام ذا الجود والإكرام”، ويختم: “كلوا واشربوا وعجلوا.. فقد قرب الصباح.. واذكروا الله في القعود والقيام.. وأرغبوا إليه.. تعالى بالدعاء والثناء”، وهي التي لا تختلف من حيث المضمون مع نداءات المسحراتي في عصرنا هذا، والتي تطوّرت وأصبحت أكثر شهرة “اصحى يا نايم.. وحّد الدايم”، وأضيفت لها أدوات التنبيه والمزمار للمساعدة في إيقاظ النائمين ليستعدوا للصيام.

ويذكر المؤرخون أن المسلمين في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا يعرفون وقت السحور بأذان الصحابي “بلال بن رباح”، ويعرفون وقت المنع بأذان الصحابي “ابن أم مكتوم”، فقد كان هناك أذانان للفجر أحدهما لتنبيه المسلمين للسحور قبيل الفجر، والثاني لصلاة الفجر، وجاء في الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم “إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم”، فكان بلال يقوم بدور تنبيه المسلمين لتناول طعام السحور.

وقد انتشرت المهنة وشهدت أوجها، ولم يخل شارع عربي من “مسحراتي” يقرع طبلته ويطلق نداءاته وأناشيده قبل الفجر، وأخذت تشيخ المهنة مع مولد الأجهزة التكنولوجية الحديثة ومنبهاتها، حتى اختفت من بعض الأحياء والكثير من الشوارع العربية، لتأخذ معها بهجة وروح رمضان.

ويقول د. أحمد عبد العظيم، المؤرخ الإسلامي: إن المسحراتي جزء من التراث العربي المرتبط بشهر رمضان، موضحاً أن أسلوب وطريقة المسحراتي تختلف من بلد لآخر، ففي مصر يردّد الأناشيد والنداءات المختلفة، وفي اليمن والمغرب فيدقّون الأبواب بالنبابيت، أما أهل الشام فيطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطنابير وينشدون أناشيد خاصة برمضان، وتطوّرت بعد ذلك مهنة المسحراتي، فاستخدم الطبلة الكبيرة منشداً الأشعار والأغاني الشعبية.

ويشير عبد العظيم إلى أن مهنة المسحراتي بدأت تندثر بشكل ملحوظ واختفت تماماً من الأحياء الراقية، إلا أنها لا تزال موجودة وتحتفظ برواجها في الأحياء الشعبية القديم.egypttoday-المسحراتي1

الاخبار العاجلة