الأمل المخطوف

27 سبتمبر 2021آخر تحديث :
الأمل المخطوف

زهران معالي “لا تزعلي ضلي اضحكي، خمس دقائق وراجع بدي أشوف شو في بالبلد، ما تخافي”، كانت آخر كلمات الشهيد يوسف محمد صبح لوالدته في بلدة برقين غرب جنين فجر أمس، قبل استشهاده برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال مواجهات شهدتها البلدة.

انتهت الدقائق الخمس وطالت لساعات، ولم يعد يوسف الأخ الوحيد لأربع بنات، بعد اعدامه برصاص الاحتلال ودهسه بجيب عسكري عدة مرات، قبل أن يخطف الجنود جثمانه إلى جهة غير معلومة.

كانت الساعة تشير إلى الثالثة فجرا، عندما خرج الفتى يوسف (16 عاما) من منزل عائلته على أصوات إطلاق النار عقب اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي البلدة، ليشارك شبانها في صد الاقتحام، واعدا والدته بالعودة.

لعدة ساعات دارت فيها المواجهات، خيم الخوف والقلق على منزل عائلة صبح، بادر فيها والده محمد صبح بالاتصال عليه عدة مكالمات للاطمئنان، آخرها كانت في الرابعة والنصف صباحا، وقال له: “أنا بمنطقة آمنة يابا ما تخاف، برَوّح كمان شوي”.

قرابة الساعة السابعة والنصف صباحا حلت الفاجعة على العائلة، بعد أن تلقى الوالد المكلوم مكالمة من جاره أخبره فيها بأن “يوسف أصيب بعدة رصاصات، ودهسه جيب لجيش الاحتلال بعد إصابته”.

يقول الوالد لـ”وفا”: حاولت الوصول لجثمانه مع والدته إلا أن جيش الاحتلال رفض ومنعنا من الوصول للمنطقة، لم أشاهد جسده، ونقله الاحتلال بعد ذلك وما زال يحتجز جثمانه، ويرفض حتى اللحظة تسليمه.

ويتابع: “يوسف مثل أي شاب في البلدة خرج للمواجهات مع الاحتلال.. كل برقين خرجت للمواجهات، لم يحلم في بناء منزل أو الزواج، بل كان يتمنى الشهادة ونالها”.

قبل عامين ترك يوسف الدراسة ليعين والده في العمل؛ حيث يعمل بمجال التمديدات الكهربائية في البلدة، وهو الثالث بين أفراد عائلته المكونة من خمسة أفراد، وكان الصديق المرح لعائلته، العاشق للنضال ومقارعة الاحتلال ومواجهته كلما حدث اقتحام لبلدته، وفق ما وصفه والده.

ويطالب صبح المؤسسات الدولية والحقوقية وكل أحرار العالم بالتدخل الفوري لتسليم جثمان نجله، قائلا: “من حقي أن ادفن ابني الشهيد في مقابر البلدة ويحتضنه ترابها الذي استشهد في سبيله بأي طريقة، ومن حقي أن أزور قبره”.

وكما حال عائلة الشهيد يوسف صبح التي تناشد العالم باسترداد جثمان نجلها، تعاني عائلات ثلاثة شهداء في جنين من احتضان فلذات كبدها ودفنهم في مقابر المحافظة، وهم: الشهيد جميل العموري من مخيم جنين الذي ارتقى خلال اشتباك مسلح برفقة شهيدي الاستخبارات العسكرية النقيب تيسير عيسة، والملازم أدهم عليوي، إضافة للشهيدين نور الدين جرار، وأمجد حسينية اللذين اختطف الاحتلال جثمانهما عقب استشهادهما برفقة رائد ابو سيف، وصالح العمار بمخيم جنين في 16/8/2021.

وشهدت بلدة برقين الليلة الماضية مسيرة دعم وإسناد لذوي الشهيد يوسف صبح، للمطالبة باسترداد جثمانه، والتنديد بجرائم الاحتلال بحق شعبنا، وضرورة التصدي لانتهاكات الاحتلال المتواصلة بحق شعبنا.

وفي ذات المنطقة التي استشهد فيها يوسف، ارتقى قريبه الأسير المحرر أسامة ياسر صبح بعد أن أصيب برصاصة في الخاصرة، فيما أصيب أربعة آخرون، كما اعتقلت قوات الاحتلال الأسير المحرر محمد زرعيني عقب حصار منزله، فيما اعتقلت الشاب سعد زيدان سعايدة عقب مهاجمة مركبة كان يستقلها برفقة آخرين.

وفي الـ29 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، كان مقررا أن تتكلل قرابة العامين من الخطوبة التي جمعت دنيا خلوف مع الشاب أسامة بالزواج، لكن رصاص الغدر الاحتلالي الذي استقر في خاصرته، كان كفيلا بأن ينسف كل استعدادهما لفرحة العمر.

بعد ليلة من الاحتفال جمعت دنيا وأسامة بالذكرى الثانية والعشرين لميلاده، ومكالمة الفجر التي لم تكن تعلم دنيا أنها الأخيرة، طالبته فيها بعدم الخروج من منزل عائلته نظرا لاقتحام جيش الاحتلال البلدة.

لم يستجب أسامة لطلب خطيبته، وخرج بعد أن تناول إفطاره الأخير بمنزل عائلته، ليواجه الاحتلال برفقة شبان البلدة، تاركا خططا رسمها مع خطيبته لفرحة العمر، وصورة وداع أخيرة التقطها مع والدته قبل ساعات، وبلدة أحبت “الشاب العنيد” كما يصفه والده.

خاطب ياسر صبح جثمان والده طوال قرابة النصف ساعة خلال نقله من مستشفى جنين الحكومي إلى مسقط رأسه حيث ووري الثرى، قائلا: الناس توزع بطاقات دعوة لأعراسها، لكن عرسك يا أسامة حضروا كل الناس دون دعوة”.

وتابع: “كان أسامة يتمنى الشهادة منذ صغره، أسامة شهيد، ربنا اختاره من بين عشرات الآلاف، عملنا حفلة صغيرة بعيد ميلاده وحددنا عرسه، لكن اليوم قمنا بزفافه أحلى زفة”.

ويضيف الوالد المكلوم ان الاحتلال اعتقل أسامة مذ كان بعمر 13 عاما، وان ضابط الاحتلال ذات مرة اقتحم منزل عائلته وأخبره “أنه إذا استمر أسامة بنضاله، فسيزوره إما بالسجن أو القبر، الحمد لله نال الشهادة”.

ويصف ولده بأنه كان عنيدا للحق مناضلا محبا لوطنه، يلبي نداء الدفاع عن وطنه كلما حدثت مواجهة مع الاحتلال في بلده أو في القرى والبلدات المحيطة فيها.

خطفت رصاصات المحتل أبناء عائلة صبح مع الآمال التي رسمتها عائلاتهما لهما بمستقبل مشرق، مثلما خطفت منذ بداية العام الجاري أحلام عائلات عشرة شهداء سبقوهم إلى العلا خلال اقتحامات قوات الاحتلال المتكررة لمحافظة جنين.

الاخبار العاجلة