الأمهات الأسيرات.. أحضان مفقودة

21 مارس 2022آخر تحديث :
الأمهات الأسيرات.. أحضان مفقودة

مها الشيخ

“كل أسيرة حضنتني مرتين، حضن الوداع وحضن عيد الأم، هدية لأمهاتهن ولأطفالهن.. الشوق للأهل سيد الموقف، الجلباب الذي كنت ارتديه مليء بالدموع، لدرجة أنه عز علي غسله”، تقول الأسيرة المقدسية المحررة إيمان الأعور.

محمد ابن الأسيرة المحررة إيمان، سبقها إلى السجن، وأفرج عنه وهي في الأسر، وعن هذا تقول: “الشعور صعب.. فترة طويلة لم أر ابني فيها، كيف سيستقبل الناس ابني وأنا لست موجودة، لكن رغم ذلك مساندة أمهات الأسيرات والأسرى لابني ومواساة الأسيرات لي خفف عني”.

تروي الأسيرة المحررة إيمان التي أفرج عنها الاحتلال الأسبوع الماضي تفاصيل علقت في ذهنها خلال العامين اللذين أمضتهما في أقبية سجن “الدامون”: “صعب جدا أن تكون أم في السجن بعيدة عن أطفالها.. الأسيرات الأمهات يحاولن تعويض أمومتهن عبر وقوفهن إلى جانب الأسيرات اللواتي حُرمن من أحضان أمهاتهن، الوعاء الأهم في حياتهن”.

وتتابع، تستحضر الأسيرات بأدق التفاصيل أجواء آخر يوم أم قضينه برفقة عوائلهن، تقول إحداهن والحسرة تملأ عينيها، “مثل هذا اليوم أولادي كانوا يجتمعون حولي”، وتقاطعها أخرى، “قبل ست سنوات أعدت لنا أمي كعكة بالشوكولاتة لنحتفل بها، وبدأنا بتقديم الهدايا لأمي واحدا تلو الآخر”، وتتساءل ثانية، “أترى أخوتي عملوا لأمي حفلة، وماذا أحضروا لها؟”

وتضيف “تتحدث لنا إحدى الأسيرات والدمعة على خدها.. كان ابني يُحضر لي في كل يوم أم باقة ورود داخلها وردتين بيض”، وتقول أخرى، “أنا أحضر لي ابني جاكيت”، وأخرى تبتسم بحرقة قائلا، “أنا أبنائي أطفال ما لحقوا يهدوني”.

كان يأتي المساندون قرب السجن في يوم الأم، ويهتفوا بأسمائنا، وهذا ما كان يرفع معنوياتنا، ويدخل السرور إلى قلوبنا، وتذكر إيمان، إحدى الأسيرات التي جاء زوجها وأبناؤها إلى باب السجن وأطلقوا لها بالونات باسمها في السماء.

وتقول إيمان، عندما خرجت أرسلت الأسيرات معي هدايا رمزية لذويهن، استطعن صنعها من أشياء بسيطة، إذ صنع بعضهن ورد مصنوع من خيطان ملابسهن، ليكون ذكرى من رائحتهن لأمهاتهن.

أرسلت نفوذ حماد أصغير أسيرة في سجون الاحتلال، مع إيمان ثلاث وردات هدية لأمها في يوم الأم، وأساور لشقيقاتها، وورقة كتبت عليها “مئة دولار” كهدية رمزية لأشقائها وصديقاتها. أما الأسيرة المريضة إسراء جعابيص، أرسلت لابنها دمى طرزتها بصعوبة لأنها فاقدة لأصابعها.

ووفق مؤسّسات الأسرى وحقوق الإنسان، تعتقل سلطات الاحتلال (31) أسيرة في سجونها، بينهن الفتاة القاصر نفوذ حماد (14 عاما)، وأقدمهن الأسيرة ميسون موسى المعتقلة منذ العام 2015، وأعلاهن حكما الأسيرتان شروق دويات، وشاتيلا عياد المحكومتان بالسجن لمدة (16) عاما، وميسون موسى، وعائشة الأفغاني المحكومتان بالسجن لـ(15) عاما.

ومن بين الأسيرات (10) أمهات يحرمهن الاحتلال من احتضان أبنائهن، ومن ضمنهن المعتقلة إداريا شروق البدن، والأسيرة المقدسية الجريحة إسراء جعابيص، المحكومة بالسجن لـ(11) عاما، والتي اعتقلتها قوات الاحتلال بعد إطلاق النار على سياراتها ما أدى إلى انفجارها وإصابتها بحروق شديدة شَوهت وجهها ورأسها وصدرها وبترت أصابعها.

كما تواصل سلطات الاحتلال انتهاك حقوق الأسيرات، خلافا لاتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1987، والتي حظرت المعاملة غير الإنسانية والحاطة بالكرامة، وخلافا لقواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة السجناء لعام 1955، إذ تعيش الأسيرات خلال مراحل الاعتقال ظروفا لا إنسانية، لا تراعى فيها حقوقهن في السلامة الجسدية والنفسية والخصوصية، ويحتجزن في ظروف معيشية صعبة، يتعرضن خلالها للاعتداء الجسدي والإهمال الطبي، وتحرمهن سلطات الاحتلال من أبسط حقوقهن اليومية، كحقهن في التجمع لغرض أداء الصلاة جماعة أو الدراسة، إضافة إلى انتهاك خصوصيتهن بزرع الكاميرات في ساحات المعتقل، ما يضطر بعضهن إلى الالتزام باللباس الشرعي حتى أثناء ممارسة الرياضة، علاوة على تعرضهن للتنكيل بهن خلال عملية النقل عبر عربة “البوسطة” إلى المحاكم أو المستشفيات، والتي تستغرق عملية النّقل بها لساعات، يتعرضن خلالها للاعتداء عليهن على يد قوّات “النحشون”.

وعن تلك المعاناة تتحدث إيمان الأعور: قبل الوصول إلى سجن “الدامون” تنقل الأسيرات لقسم المعبار في سجن “الشارون”، وتمكث فيه مدة أربعة عشر يوما إلى شهر، لافتة إلى أن سجن “الشارون” عبارة عن سجن جنائي وضعه كارثي، إذ تتعمد إدارة السجون وضع الأسرى المدانين بأقذر الجرائم مثل تعاطي المخدرات، ليقوموا بالتحرش اللفظي بالأسيرات، عدا عن أنه لا يصلح للمعيشة، فهو قذر ولا يوجد فيه أكل، وشديد البرودة، وذكرت أنها أضربت يومين احتجاجا على وضع الأسيرات في هذا القسم.

وجاء في رسالة الأسيرات الأمهات لكل نساء العالم من داخل سجن “الدامون”، نقلتها محامية هيئة شؤون الأسرى والمحررين حنان الخطيب، لمناسبة عيد الأم: “في يوم الأم والكرامة نحن الأمهات الأسيرات وبالرغم من الاحتجاز القسري لحياتنا وأمومتنا إلا أننا نتمسك بهما ونعبر عنها بما يليق بكل أم فلسطينية، نتوحد مع الأمهات الفلسطينيات ومناضلات العالم بالدفاع عن حقنا وحقوق أبنائنا في الحياة الكريمة ومنحنا الحرية والاستقلال، نحيي أمهات فلسطين وخاصة الأمهات اللواتي تنبض دقات قلوبهم بدقات قلوب أبنائهن وبناتهن الجرحى والأسرى، الأمهات اللواتي ودّعن أبناءهن الشهداء، الأمهات اللواتي دافعن عن الأرض والبيت والمدرسة، الأمهات اللواتي يعلمن الصمود ونحن نقول لبناتنا وإننا وإذ يحرمنا هذا السجن من التواصل المادي معكم إلا أن رسائل محبتكم تصلنا محبة أكيدة ومتواصلة “.

ـــــ

الاخبار العاجلة