بقلم: ناجي صادق شراب عن جريدة القدس
مع كل إدارة أمريكية جديدة يبرز التساؤل عن موقف هذه الإدارة من عملية السلام في الشرق الأوسط، ، وهل من رؤية جديدة لها عن سابقاتها من الإدارات الأمريكية؟
الملاحظ أولا سيطرة الصراع العربي الإسرائيلي ، وبعبارة أدق إسرائيل على كل الحملات الإنتخابية الرئاسية. وثانيا توافق كل المرشحين للرئاسة والحزبين الجمهوري والديموقراطي على التمييز بين تبني موقف إسرائيل، والتأكيد على أمنها وبقائها وبين أي عملية سلام وتسوية للصراع العربي الإسرائيلي. بل ان الملاحظ ثالثا ربط الأخيرة بأمن إسرائيل. ومن غير المتوقع ان تتغير السياسة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب إتجاه القضية الفلسطينية ، وحل عقدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعيدا عن هذا الإلتزام الثابت في السياسة الأمريكية.
وبمتابعة الخطاب السياسي للرئيس ترامب أثناء حملته الإنتخابية ، وبعد توليه الرئاسة وبعد لقائه بالرئيس محمود عباس وإلتزامه بتحقيق السلام الذي عجز من سبقه عن الوصول له لا نلاحظ تغيرا ملموسا، بل ثباتا واضحا ، وقد يكون اكثر صرامة من سابقيه.
ولعل الجديد في موقفه هو الإسراع في إعطاء أولوية لرغبة أمريكية في تحقيق تسوية تاريخية ،رغم أن العادة جرت أن أي إدارة تولي إهتمامها وتسـتأنف سياساتها بعد السنة الأولى التي تكتمل فيها أركان البيت الأبيض.
والسؤال ثانية هل من رؤية جديده لإدارة ترامب؟وهل من قدرة ورغبة أكبر لتحقيق التسوية التاريخية التي تحدث عنها الرئيس ترامب ؟
قد يكون من الصعب القول ان هذه الرؤية قد أكتملت ، وأصبحت واضحة الأهداف والآليات ، لكن مع ذلك يمكن تلّمس بعض ملامح هذه الرؤية من خلال التصريحات السياسية المختلفة للرئيس ومستشاريه، ومن خلال التعرف على أركان إدارته.ومن خلال لقاءاته الرئاسية مع نتانياهو والقادة العرب.
بداية وفي أول لقاء له مع نتنياهو ، بدت ملامح هذه الرؤية مع أول مؤتمر صحفي له حيث عبر الرئيس الأمريكي عن تأييده لخيار التفاوض الثنائي المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعدم فرضه أي حلول على الطرفين، ولا يتمسك بحل الدولتين ، وإن كان عدم القبول بها يؤدي لحل الدولة الواحدة، وكأنه بذلك يبعث برسالة تحذيرية لإسرائيل للقبول بحل الدولتين. والموقف غير الواضح من قضية الإستيطان/ فتأييد حل الدولتين يعني موقفا معارضا للإستيطان، وهو ما تحاول هذه الإدارة تجنبه. كما كان الوضع في إدارة الرئيس أوباما التي تبنت حل الدولتين، ومعارضة الإستيطان، لتنتهي بعدم معارضة القرار الأممي 2334 الصادر من مجلس الأمن ، والذي يدين كل الإستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ، وهذا مستبعد في إدارة الرئيس ترامب التي قد أسقطت دور الأمم المتحدة من هذه الرؤية ، وهو ما سيدركه الفلسطينيون. وتبدو ملامح هذه الرؤية من أول خطاب له أمام الكونجرس والذي قد أكد فيه أن التحالف مع إسرائيل لا يمكن خرقه، وهو في هذا التأييد الشخصي أبعد من سابقيه.
وبدت ملامح هذه الرؤية تتكشف مع أول زيارة لمبعوثه الشخصي جيسون غرينبلات للمنطقة ، وتصريحه الواضح أن إدراة الرئيس الأمريكي ترامب تسعى إلى عملية سلام تحفظ أمن إسرائيل وإستقرار المنطقة. وهذا التصريح على قلة عدد كلماته، لكن كشف عن عنصرين من عناصر الرؤية الأمريكية الجديدة: امن إسرائيل،اي تسوية سياسية ستأخذ في الإعتبار الحفاظ على أمن إسرائيل، ليس فقط بتأييد الولايات المتحدة لهذا الأمن، ولكن بالدور الفلسطيني والدور العربي . وهو ما يعني أن أي كينونة فلسطينية لا ينبغي ان تشكل تهديدا لأمن إسرائيل، بل قد تذهب هذه الرؤية إلى خضوع هذه الكينونة أيا كانت صورتها، دولة يجب ان تستجيب لمتطلبات أمن إسرائيل.
وقد بدت ملامح هذه الرؤية خلال لقائه مع الرئيس وتأكيده وقف التحريض والتصدي لكل أهمال العنف، . والعنصر الثاني في هذه الرؤية تحقيق الإستقرار في المنطقة ، وهنا الربط بين السلام والخطوات الاقليمية من خلال التفكير في شكل من أشكال التحالف الإقليمي تكون إسرائيل طرفا فيه، ومحاربة وإستئصال كل أشكال الإرهاب في المنطقة والقضاء على حركة «داعش» وغيرها لما تشكله من عنصر عدم أمن وإستقرار في المنطقة.
وهنا تتسع حدود هذه الرؤية لتضم دول المنطقة ، ودمج إسرائيل في المنظومة العربية ، وتتسع هذه الرؤية للموقف من ايران وتهديداتها للمنطقة ، وبناء على هذا الموقف قد يتحدد الموقف العربي من فكرة السلام الإقليمي. وهذا ما قد يفسر لنا بعض ما جاء في بيان القمة العربية في عمان على إستعداد لسلام وعلاقات شاملة مع إسرائيل بشرط قيام الدولة الفلسطينية ، وإنسحاب إسرائيل من كل الدول العربية . ولا يعني هذا أن الرؤية الجديدة قد تكون مغايرة لما سبقها من رؤى للإدارات السابقة. فالخطوط العريضة واحدة.
وإن كانت حظوظ الإدارة الجديدة اكبر في فرض رؤيتها، وممارسة ضغط على الأطراف المعنية، وتقوم هذه الرؤية على فرضية أساسية وهي حاجة لكل الأطراف للدور الأمريكي لمعالجة كثير من ملفات المنطقة ، فالبيئة الفلسطينية مواتية للقبول ببعض عناصر هذه الرؤية خصوصاً وأن إدارة الرئيس ترامب كانت تشكك في القيادة الفلسطينية وقدرتها على إتخاذ القرارات المؤلمة بشأن تسوية ، ويبدو ان محاولات إقناع كثيرة قد بذلت، بدليل الإتصال الهاتفي مع الرئيس عباس أولا ، ولقائه ثانية ومدحه له بأنه رجل سلام ، ومن ناحية اخرى لا تستطيع إسرائيل أن تشكك في نوايا واهداف الرئيس ترامب، كما في عهد إدارة الرئيس أوباما، وأما الوضع العربي فهو أكثر إستجابة ورغبة للتعامل مع إدارة الرئيس ترامب ، وليس في موقف يسمح بمعارضة السياسات الأمريكية والدور الأمريكي في حل ملفات المنطقة ، وخصوصاً ملف الإرهاب. ولا تستطيع الدول الإقليمية كإيران وتركيا الذهاب بعيدا في معاداة السياسة ألأمريكية. جوهر هذه الرؤية ما يسمى بعقيدة الصفقة التي تتبناها الإدارة الامريكية ، والتي يمكن ان تطبق مع كل الفواعل من الدول وغير الدول لتمرير رؤيتها للتسوية محرجة حماس بعد وثيقتها الجديدة وإرسالها رسالة بالقبول بالدولة الفلسطينية، ونبذ الاهاب والعنف .
وترتبط هذه الإستراتيجية بما يعرف بمبدأ أو عقيدة ترامب فكل رئيس أمريكي إقترن إسمه بمبدأ أو عقيدة معينة. وبالنسبة للرئيس ترامب ترتبط هذه العقيدة بما يعرف في العلاقات الدولية الصفقات التجارية ، أو عقد سلسلة من الصفقات المتتالية بين الفواعل الدولية. وتقوم هذه العقيدة على أن الولايات المتحده الدولة التي يمكن أن تكون أكثر داعميك ،وأكثر الدول خطورة عليك في الوقت نفسه. والدولة التي تؤدي أية أخطاء ترتكبها إلى مصائب إستراتيجية ، يصعب إحتواء تأثيراتها.
ومن عناصر هذا المبدأ ما يتعلق بشخصية الرئيس ترامب، وصعوبة التنبؤ بما قد يقوم به من تصرفات، وما إذا كان سيدير هذه الصفقة كرجل أعمال يدير شركة إلى رجل أعمال يدير دولة عميقة وكبيرة كالولايات المتحدة. ولذلك الاسلم التعامل معه بإستراتيجية السيناريوهات المحتملة. والعنصر الثالث المرتبط بعقيدته البعد الشخصي أما يعرف بالنسق العقيدي الذي يحكم سلوكه وتصرفاته وتنبؤاته. وهي مجموعة الأفكار والقيم والمعتقدات التي يؤمن بها. ففي التاريخ كان هناك منطق الحق الألهي أو منطق الأنا، أنا الدولة ، ويبدو أن شخصية ترامب أقرب إلى منطق انا الدولة ، وفهي شخصية لا تقبل الخسارة ، وتعود على تحقيق المكاسب المالية ، وفي إطار هذه العقيدة يريد ان يحقق إنجازا سياسيا بأن يكون ألأول الذي حقق تسوية تاريخية لأصعب واعقد صراع في التاريخ وهذا ما ظهر في قوله من الصعب ان أقبل بالرفض كإجابة.
وستعتمد هذه الرؤية على اسلوب عقد المؤتمر ، ولذلك قد نتصور لقاءات ثلاثية او رباعية تجمع الرئيس عباس ونتانياهو وقد تتحول لمؤتمر للسلام يجمع دول المنطقة بالتوازي مع آلية التفاوض المباشر. وما قد يميزه هنا ان تكون هذه المفاوضات لفترة زمنية محددة مرتبطة بكل من الرئيس عباس ونتانياهو اللذين قد يكونان ألأكثر قدرة على الوصول لتسوية بتنازلات مؤلمة.
ما زالت هذه الرؤية في بدايات التبلور والإكتمال، وقد تكتمل مع إكتمال لقاء قادة المنطقة ، التي على أثرها ستبدأ الخطوة الأولى في مفاوضات مباشرة قد تبدأ بعد شهور من الآن ولا يستطيع اي طرف رفضها.