شرفة على القدس: ضغطوا علينا كي لا نقول الحقيقة

3 فبراير 2018آخر تحديث :
شرفة على القدس: ضغطوا علينا كي لا نقول الحقيقة

رام الله- صدى الإعلام

يوم الثلاثاء، 14 كانون الأوّل (ديسمبر) 2017، قدّم جون ليونز حصيلة رحلته التي امتدّت لستّ سنوات، في مذكّراته حول الشرق الأوسط، وذلك بدعوة من محمود منى من المكتبة التعليميّة. أُقيمت الفعاليّة في متحف التراث الفلسطينيّ بحضور جمهور كبير.

بعد سلسلة من المقابلات التي أجراها مع مسؤولين حكوميّين إسرائيليّين، مثل شمعون بيريز وإيهود أولمرت، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من المقابلات مع قادة حماس وحزب الله، وبصلاته الجيّدة مع الجيش الإسرائيليّ، لخّص ليونز كلّ خبرته في مذكّراته الواقعة في 400 صفحة، التي تتناول الصراع والأمل والحرب والناس الذين يعيشون وسط تعقيدات الشرق الأوسط.

 

 

اشتركت عائلة ليون في هذه التجربة الممتدّة على طيلة سنوات؛ فقد شاركته زوجته سيلفي لوكليزيو، المصوّرة وصانعة الأفلام الوثائقيّة، في كتابة هذا الكتاب، وقضى ابنهما جاك هذه المدّة معهما. قرّر ليونز منذ البداية، وهو يراقب الحياة التي تدور أسفل شرفته في القدس، أن ينقل بمصداقيّة ما يحدث في إسرائيل وفي الأراضي المحتلّة، من دون أن ينحاز إلى أحد الأطراف.

والسؤال: كيف تبدو القدس وكيف يبدو الشرق الأوسط في عيني مراسل أجنبيّ؟

تردّد رابين في مصافحة عرفات هو ما أثار فضوله

بعد إيفاده من قبل “الأستراليّ – The Australian”، إحدى أكثر الصحف انتشارًا في أستراليا، سرعان ما واجه ليونز ضغوطًا من دولته، طالبةً منه أن يتوخّى الحذر في الكيفيّة التي سيكتب بها عن إسرائيل. “كانوا يضغطون علينا لكي لا نقول ما الذي يجري هنا”، هكذا قال ليونز، مشيرًا إلى تخوّفات محرّريه من أن يُوصف بأنّه “معادٍ للساميّة” من قبل المجموعات التي تدعم إسرائيل في موطنه، لكنّ ذلك لم يؤثّر عليه. “كلّما طلبوا منّي ألّا أقول الحقيقة، كلّما صرت أكثر إصرارًا على العودة لأرى ما يحدث بعينيّ”. لقد ابتدأ اهتمامه بالصراع من مكان آخر: فعندما كان مراسلًا شابًّا في واشنطن دي سي، شهد ليونز المصافحة الشهيرة بين إسحاق رابين وياسر عرفات في الحديقة الأماميّة للبيت الأبيض عام 1993. إنّ القصّة الكامنة وراء هذه المصافحة ووراء اتّفاقيّة أوسلو، هي ما أثار فضوله؛ إنّ تردّد رابين الطويل قبل مصافحة يد عرفات، ودفعة كلينتون المشجّعة له، هي ما جعلته يفكّر: لماذا كان من الصعب على رجلين أن يصلا إلى اتّفاق سلام؟ وهو أمر بدا شديد الوضوح لأستراليّ مثله.

 

وصل ليونز إلى القدس في كانون الثاني (يناير) من عام 2009، مع نهاية حرب غزّة. من “شرفته”، غطّى ليونز جميع الأحداث الكبرى التي جرت في الشرق الأوسط. خلال تغطيته للاحتجاجات التي شهدتها مصر ضدّ الديكتاتور السابق، حسني مبارك، في 2011، عاين ليونز وحشيّة القاهرة وانعدام القانون على حافّة الثورة، عندما اختطفه العسكر. وبعد أن تمكّن، بالمصادفة، من التحرّر من الاعتقال بمساعدة المسؤولين الحكوميّين الأستراليّين والألمان، شاهد ما وصفه بأنّه “أسوأ ما رأته عيناي”، عندما انهالت ضربات الغوغاء الغاضبين على معتقل مصريّ آخر فأردته قتيلًا.

مراقبة معاملة القاصرين الفلسطينيّين في المحاكم العسكريّة

بالإضافة إلى تقاريره من مناطق الاضطّراب في دول الشرق الأوسط، فإنّ مذكّراته تركّز على حياة الفلسطينيّين والإسرائيليّين في إسرائيل، وبخاصّة في القدس. بحكم مواجهته للآباء الفرنسيّين والفلسطينيّين الغاضبين في مدرسة ابنه، ومواجهة أصدقائه المتشكّكين، يرسم ليونز صورة لا تُنسى عن المدينة الممزّقة، المليئة بالصداقات والعداوات والريبة، تنبعث منها أشعّة الأمل الخافتة لتدوسها أحذية النسيان والقسوة. بالإضافة إلى هذه التجارب التي عايشها مع عائلته في الحياة اليوميّة، استكشف ليونز مظالم من نوع آخر أيضًا، عبر زياراته المستمرّة للمحاكم العسكريّة الإسرائيليّة. من المهمّ أن نعرف أنّ إسرائيل تواجه انتقادات مستمرّة لأنّها تمتلك نظامين قضائيّين، واحد في إسرائيل والآخر نظام قضائيّ عسكريّ إسرائيليّ للتعامل مع السكّان الفلسطينيّين في أراضيهم [محرّر فُسْحَة: الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967]. إنّ ما لاحظه ليونز وزوجته سيلفي خلال عملهما في المحكمة، “الخطّ الأماميّ لواحد من أقدم الصراعات في العالم، الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ. إنّه الحزام الإسرائيليّ الناقل للعدالة، لكنّها أبعد ما تكون عن إسرائيل”.

 

باتت مراقبة تعامل الجيش الإسرائيليّ مع القاصرين الفلسطينيّين واحدة من أهمّ مشاريعهما. حاول ليونز أن يُقارب الحقيقة من خلال الاعتماد على مجموعة من الوثائق الرسميّة التي وصلت إلى يده عبر أصدقائه من العسكريّين الإسرائيليّين، الذين تربطهم به صلات العمل. “إنّها مصادر موثوقة”، يقول. ذات مرّة، تناهى إلى سمعه، من خلال علاقاته مع وزارة الدفاع، أنّ بعض المسؤولين مستاؤون من تقاريره عن محاكمات القاصرين الفلسطينيّين، وأنّهم يفكّرون في منعه من حضور المحاكمات. وبحكم إدراكهم أنّ منع صحافيّ أجنبيّ في إسرائيل سيُحدث جلبة كبيرة في أستراليا، واجههم بالشائعات؛ وكانت النتيجة أن سمحوا لهم بمتابعة عمله في المحاكم العسكريّة .

الحفاظ على النزاهة الصحافيّة

سرعان ما واجه ليونز ولوكليزيو استياءً قويًّا وضغوطات من موطنهما، دفعت بها مجموعات مؤيّدة لإسرائيل، كتبت إلى محرّره طالبة منه التوقّف عن نشر تقارير تعكس صورة سلبيّة عن سياسة إسرائيل في الأراضي المحتلّة. في نظر ليون ليونز، كان ذلك تهديدًا لموقعه الصحافيّ مراقبًا، مهمّته أن يوثّق ما يراه، لا أن يكتب ما يُطلب منه. تصف قصصه حالة الخوف التي يواجهها الصحافيّ حين يكتب عن إسرائيل: المشاريع التي تُلغى في اللحظات الأخيرة، والمحرّرون الذين يطلبون منه تقديم زاوية نظر جديدة للمقالات التي ينشرها، وهو خطر مستمرّ يهدف إلى حجب الحقيقة، وصياغتها بالاتّجاه المطلوب، سواء أكانت مؤيّدة للفلسطينيّين أو للإسرائيليّين. إنّ التحدّي المتمثّل بتقديم الصورة كاملة، يبقى تحدّيًا كبيرًا لمراسل أجنبيّ، وهو تحدٍّ يزداد تعقيدًا مع تخفيض الميزانيّات، إذ لم تعد صحف عديدة مستعدّة لتحمّل تكاليف إبقاء مراسل عاديّ في القدس، أو حتّى في إسرائيل.

 

حين سُئل عن قرار الرئيس ترامب بإعلان القدس رسميًّا عاصمةً لإسرائيل، بدا كما لو أنّه كان ينتظر السؤال: “لم يمنح ترامب شيئًا بالمقابل، لقد اكتفى بالأخذ. إنّه غير منطقيّ حين يتحدّث عن حلّ الدولتين، إنّه مثل قاض في طلاق سيّء. القاضي يقول للزوج بإمكانك أن تأخذ المنزل، وبعد شهرين سنقرّر ماذا نفعل بخصوص الأثاث”.

من خلال مذكّراته، يقدّم ليونز ما تعجز التقارير الأسبوعيّة في فترات الاحتجاجات عن التقاطه؛ فهو يصف الحياة اليوميّة العاديّة وسط الصراع، وطرق التعامل مع الاحتلال، والقذائف، والتدمير العشوائيّ للمنازل، بل وشجار الجيران الجدد، بالإضافة إلى تقاريره الشخصيّة عن أوضاع بلدان أخرى في الشرق الأوسط، التي تُضاف إلى القصّة. من خلال عدسة ليونز، تظهر التراتبات والصراعات بصورة أوضح، ويتضّح معه حجمها وعددها الكبير.

المصدر: عرب 48

الاخبار العاجلة