لوحة أمل: أهـلاً بـك إلـى حُرية البحر…

5 أبريل 2018آخر تحديث :
لوحة أمل: أهـلاً بـك إلـى حُرية البحر…

رام الله- صدى الإعلام

تسير بمحاذاة البحر، رياح تتلقفك من كل جانب، تقف لبرهة، تنظر إلى وسعه، تركز النظر لترى بَعده المجهول، لا شيء… لا تبصر أي شيء سوى مياه تدعوك للغثيان.. للدوران!!

صياد مسن… ذو لحية بيضاء تشوهها أخرى سوداء.. تجاعيد رسمت حول عينيه المحاطتين بهالة سوداء.. قارب عمره الخمسة عقود… يتأهب صباحا لكسب رزقه.. يحضر شباكه العتيقة ومعداته المتهالكة في قاربه القديم… ينطلق نحو الغياب القريب.. وبحرية الاحتلال له بالمرصاد! يعود حاملا معه خيبات رزق ضئيل.. جمعه ليكسب منه بضعة شواقل.. يعيل بها عائلته الكبيرة فلا تُشبع بطونهم الجائعة.. فالصيد في غزة ليس كما هو في غيرها.. ليس تلوث المياه هو السبب الرئيسي لقلة محصوله.. إنما قلة المساحة المسموح بها للصيد أو حتى للإقتراب.

على الشاطئ.. أطفال يركضون، على ظهورهم حقائب المدرسة.. هربوا منها إلى اللاشيء..  فضوا عن ظهرهم ما يحملون.. قفزوا أعلى ما أمكنهم علّهم يتجاوزوا البحر، ويصلوا إلى الحياة… وحدها ضحكاتهم تبعث الحياة لروحٍ مكلومة أماتها الحصار، أمواج البحر تلامس كعوب أقدامهم، رمال تلتصق بأقدامهم الصغيرة..

أَبعد من ذلك، وتحديدا على ناصية التلة ترى شاباً يحلم بالحرية .. حنى ظهره متأهبا لتنسمها.. اختزن كمّاً من الهواء.. مندفعا إلى المساحة الفارغة ليبتلعه البحر في أحشائه فيختفي في قُعره… ليعود فيظهر من جديد على سطحه.. فرِحاً للحرية المؤقتة.

البحر مرتعٌ للخيال

“البحر أكبر نعمة لنا في ظل هالحصار الي عم نعاني منه لأكثر من 11 سنة ، البحر هو أكبر مساحة ممكن تتسع لكل حكايات قلوب أهل غزة”.. رد محمد نشبت (32 عام) من دير البلح، حين سألته ماذا يعني لك البحر!، وتابع ” البحر دافع كبير بالنسبة إلي للكتابة، في عندك مساحة شاسعة من الفراغ بالإضافة إلى أن فيه مساحة واسعة للتفكير بشكل مريح، الرمل، صوت الموج، منظر الصيادين أو حتى المراكب، هذا كله باعث على التفكير وتحريك الخيال”.

إسلام أبو الهوى (29 عام)، من مدينة غزة، ترى في البحر المتنفس الوحيد للتخلص من كافة ضغوط الحياة، فتقول “البحر يبعث الراحة والسكون في نفسي، علاوة على أن غالبية المنشآت السياحية على ساحل البحر فأفضلها أكثر من غيرها، عدا عن أنه هو المعلم الوحيد المتاح بكل وقت وبأبسط التكاليف وفي بعض الاحيان بدون تكاليف مادية مرهقة للمواطن الغزي البسيط”.

وحول سر إقبال الغزيين عليه يقول المصور الصحفي محمد البابا، “السر هو واحة الحرية ولوحة الأمل الوحيدة في قطاع محاصر لأكثر من مليوني فلسطيني، لا توجد مساحة حرية يتنفسوها سواه، البحر موج وقبطان وهواء وكائنات في دواخله تحيا بلا حدود ولا معابر”.

أسرار في جوف البحر

قصصٌ كثيرة يخبئها البحر لأهالي غزة، شهد عليها وخبأها داخل أعماقه، لحظات حب وأمل، رقص وعمل، فراق ولقاء، بكاء وضحكات، لمة العائلة، مزاح الأصدقاء وجنون الأحبة، مواقف كثيرة جرت أمامه، يفرح مع الفرح، ويغضب للحزن.

محمد نشب يقول ” كنا ناخد ببالنا انو البحر بس للصغار، لكن هو ليس كذلك، ذات مرة كان في ختيار وختيارة، أعتقد أنهم في العقد السابع أو الثامن في حياتهم، طلع الختيار بيحكي شعر لزوجته، بيتغزل فيها، هذا كان من أكثر المواقف التي دبت في روحي وحياتي السعادة” .. “رغم الحياة الصعبة التي نعيشها في غزة إلا أنه ما زال هذا الختيار محافظ على روح الشباب جواه وبيغازل زوجته الي عمرها تجاوز السبعين أو ثمانين عام!”.

أما إسلام، فكان لها قصة مؤلمة مختلفة في البحر رسخت في ذهنها ” في إحدى المرات التي كنت أعد فيها تقرير عن أحوال الصيادين في قطاع غزة ، صدمتني إجابة صياد قال لي بالحرف ” يعتقد الناس أننا نحن الصيادون نأكل السمك يومياً، لكن ما لا يعلمه أحد أنني فعلا أشتهي السمك ولا أستطيع أن يكون طعامي اليومي لأنني بكل بساطة إن أكلته لن أستطيع العودة ببضع شواكل تعيل أسرتي الممتدة “.

قصة محمد البابا مختلفة فأجمل المواقف التي شهدها على البحر، هي “إصرار المواطنين على معانقة الموج والبحر خلال العواصف دون مبالاة أو خوف”.

يوم أجمل!

تشرق الشمس على واقع يتمنى أهل غزة أن يحمل معه الخير والرزق لهم، بعيدا عن آلة الموت التي تأخذ أرواحهم على حين غِرّة، لتسدل الشمس الستار ليلا فتحمل معها ألم أم الشهيد والجريح، وعوائل لا تملك لقمة العيش فنامت جائعة، وأيدي تُرفع داعيةً الله الخلاص وتيسير الحال.

إسلام تفضل الشروق فترى فيه البدايات القوية والجميلة، ترى فيه الطمأنينة، في حين يفضل محمد البابا الغروب، فهو “عادة ما يترك قبل أن يغادر بصمة مزركشة بألوان الأمل في سماء غزة ما يجعل الغروب لوحةً جمال ترسم الأمل بغروب يوم وقدوم آخر”.

نشبت يتفق مع البابا فيقول “بحب لحظات الغروب على البحر، فيها شاعرية كثير وأكثر فترة بحب أقعد فيها لأنها أكثر فترة بتريح، بكون الناس قليلة أخف من الفترات الصباحية، بحب لما الشمس تنزل في المي أو بتتخيل انو بتنزل في المي بتعلن عن نهاية  يوم مليان قرف رح ينتهي أو يجي يوم مليان تفاؤل”.

وفي آخر النهار… تجد مقعدا فارغا أمام البحر.. صوت ارتطام الموج.. وحفيف الرياح… فتاة بلباس بنفسجي محتشم تأتي لتجلس عليه.. تنتظر لتشهد على زوال يوم وقدوم غدٍ أجمل.

الاخبار العاجلة