الجمعية العامة للأمم المتحدة وطغيان المشاكل العربية

24 سبتمبر 2016آخر تحديث :
الجمعية العامة للأمم المتحدة وطغيان المشاكل العربية

بقلم: صادق الشافعي

انعقاد الجمعية العامة السنوي “موسم” تتم فيه لقاءات بين اكبر عدد من رؤساء دول العالم ومسؤوليها. اللقاءات في الغالب ثنائية، ولكن بعضها ينعقد على شكل لجان أو مجموعات عمل تعقد على هامش جلسات الدورة الرسمية لبحث أو لمعالجة قضايا وعناوين معينة سواء تعلقت في موضوع عام، أو موضوع متعلق بدولة أو منطقة محددة.

ستكون إضاءة هذه الدورة مسلطة على نجمين:

الأول، هو السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة لأنها ستكون دورته الأخيرة قبل أن يغادر موقعه في نهاية هذا العام. وستدور بنتيجة ذلك مناقشات ومباحثات حول مَن يكون خليفته من بين المرشحين الذين اصبحوا معروفين.

والثاني، هو الرئيس الأميركي أوباما ليس فقط بوصفه رئيس الولايات المتحدة الأميركية الدولة المضيفة والأكبر والأقوى في العالم، بل لأنه أيضا سيغادر موقعه الرئاسي في نهاية العام. ويزيد من تسليط الأضواء على الرئيس أوباما الأدوار الحاسمة التي تقوم بها دولته في اكثر من مكان في العالم والجدل الحامي الذي تثيره مواقفها في تلك الأماكن، بالذات في سورية.

وكما كان متوقعاً لم يكشف الرئيس أوباما عن مفاجآت أو يقدم اية مبادرات نوعية، ما قاله عن الصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال “بالتأكيد فإن الإسرائيليين والفلسطينيين سيكونون في وضع أفضل إذا رفض الفلسطينيون التحريض واعترفوا بشرعية إسرائيل، وإذا اعترفت إسرائيل انه لا يمكنها احتلال واستيطان الأرض الفلسطينية إلى الأبد” جاء حريصا على توازن لفظي لا يغطي على الانحياز المادي العملي لصالح دولة الاحتلال كما تمثل بالقرار الأميركي الطازج بمنح دولة الاحتلال 38 مليار دولار للعشر سنوات القادمة.

 ما قاله جاء في صيغة أقرب الى الوعظ الأخلاقي دون اي مدلول أو التزام عملي او سياسي، فكان ليس أكثر من نصائح رئيس مودّع.

هذه الدورة بقدر ما تزدحم باللقاءات من النوع الأول (الثنائية المباشرة) فإنها تزدحم أيضاً بلقاءات واجتماعات من النوع الثاني. فهناك مثلاً، لقاء على مستوى المندوبين الرئاسيين بقيادة وزير الخارجية الفرنسي للبحث في المبادرة الفرنسية، وهناك اجتماعان وزاريان لـ “المجموعة الدولية لدعم سورية”.

اللافت المحبط في هذه الدورة أن ما يطغى على أعمال الدورة الحالية وعلى هوامشها موضوعات تتعلق بدول عربية بالدرجة الأولى : سورية- العراق- جنوب السودان – ليبيا. وبالتأكيد، فان الموضوع الفلسطيني والنضال الوطني ضد دولة الاحتلال وسياستها الاحتلالية الاستيطانية والقمعية العنصرية لا يغيب عن أعمال الدورة وهوامشها، خصوصاً مع الحضور القيادي بأعلى المستويات، وذلك على الرغم من عدم وجود مشروع قرار أو إجراء معين خاص بفلسطين مقدم إلى الجمعية العامة، ربما بانتظار المؤتمر الدولي الذي تدعو لانعقاده المبادرة الفرنسية. طغيان الموضوعات العربية، بقدر ما يلفت النظر ويبعث على الاهتمام وربما الإحباط فانه يثير كمّا من التساؤلات يطغى عليها سؤال “لماذا”.

لماذا المنطقة العربية فيها كل هذا القدر من المشاكل التي تستدعي فرض نفسها على دورة الأمم المتحدة بشكل مباشر، ناهيك عما هو غير مباشر منها، ومعظمها تكرر فرض نفسها على اكثر من دورة. ولماذا، تصل الأمور إلى الأمم المتحدة ولا تبقى في حدود دول المنطقة. ولماذا تستمر وتستطيل هذه المشاكل وتتفاقم وتعجز دولها عن حلها. ولماذا تغيب جامعة الدول العربية ويغيب دورها ومسؤوليتها؟ ولماذا لا تبقى المشاكل ويتم التصدي لحلها داخل الجامعة ومؤسساتها. ولماذا يبدو البعد الخارجي بصفته المظهر الرئيسي لهذه المشاكل إلى درجة تغيب معها الأبعاد الداخلية، وهي موجودة وحقيقية. وتبدو معه الدول الخارجية المقررة تنخر في هذه المشاكل وتحيطها بها وتتحكم إلى حد بعيد في قيامها واستمرارها ومسارها، وفي تعقيد إمكانيات التوصل لوضع الحلول لها بسبب تضارب مصالحها.

 هذه الأسئلة وغيرها، لا تجد أجوبة لا شافية ولا مفسرة ولا مبشرة او مريحة.

 والغريب انه لا توجد محاولات جادة وموضوعية للوصول الى الأجوبة، وكأن المنطقة استكانت للتدخل الخارجي ورمت بحمولتها في أحضانه، وارتضت بدور الدمى يحركها حسب خططه ومصالحه.

الحدث السوري يهيمن على أجواء هذه الدورة. تفرض هذه الهيمنة، الأحداث الدرامية خلال الأسبوعين الأخيرين، ويمكن العودة اكثر الى الشهرين الأخيرين، ناهيك عن الوقائع الممتدة على مساحة السنوات الخمس الأخيرة.

– فهناك المعارك الطاحنة الأخيرة في شمال سورية وحول حلب بالذات.

– وهناك الاتفاق الأخير على وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه روسيا والولايات المتحدة، ولم يحقق النجاح المأمول منه بل تعالت الاتهامات المتبادلة بخرقه ولم يتم تمديده، والأسئلة المتشككة حول إصرار الولايات المتحدة عدم نشر نصوص الاتفاق، أو عرضه على مجلس الأمن لإقراره، بما يعمق الخلاف الروسي الأميركي العلني ويعرقل تشكيل “خلية التنفيذ المشتركة….. “، كما وردت في الاتفاق.

 وهناك الغارة الأخيرة على موقع للجيش العربي السوري في أطراف دير الزور التي شنها الطيران الأميركي. خصوصا وان التفسير الأميركي جاء بعيدا عن الإقناع والمقبولية.

– وهناك الاستباحة التركية للأراضي السورية والإعلان عن النية لتوسيعها.

– ثم هناك الغارة الأخيرة على قافلة الأمم المتحدة التي تحمل مساعدات إنسانية للمناطق المحاصرة.

ويبقى السؤال قائما : هل ما زالت الأمم المتحدة الأرض التي يمكن فيها حل المشاكل أم أن الدول الكبرى صادرت هذا الدور؟ ولماذا لا تكون ارض الوطن هي الأولى بلقاء أهل الوطن وقواهم السياسية والمجتمعية والشعبية لحل المشاكل على قاعدة وحدة الوطن وسيادته ومصالحه؟.

 

فهل أنتم فاعلون؟ وهل نحن؟

بقلم: تحسين يقين – الايام

فعلان أمميان لا فعل واحد: فعل الأمم المتحدة بما يرتقي لمكانتها في حماية الشعوب تحت الاحتلال، وحل النزاعات والصراعات.

وأفعال كبيرة وكثيرة لنا، مزيد من الإبداع الوجودي والمادي على الأرض؛ بما يحقق الاكتفاء الذاتي من جهة، وبين نظام حكم العدالة والمساواة.

«كم كنت أتمنى أن أكون في غنى عن إلقاء هذا الخطاب، لو أن قضية شعبي قد وجدت حلاً عادلاً، وآذاناً صاغيةً، وقلوباً وضمائر تؤمن بضرورة رفع الظلم عنه، فكلكم تعلمون أننا قد قبلنا الاحتكام للقانون الدولي، والشرعية الدولية وقراراتها، وقدمنا تضحية تاريخية جسيمة حين وافقت منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على إقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، بعاصمتها القدس الشرقية؛ فما المطلوب منا أكثر من ذلك؟

بهذا ابتدأ الرئيس خطابه في الجمعية العامة، مختتماً بتكرار سؤال شعبنا الأخلاقي الحقيقي والبلاغي: فهل أنتم فاعلون؟ ثلاث مرات.

عين في نيويورك، وأعين هنا، للشعب والقيادة في تحمل المسؤوليات تجاه تقوية وجود شعبنا، فالتنمية تحقق قوتنا في الدولة والعودة والقدس والمياه والطيور والأزهار.

لكن إسرائيل لا تريد دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين معاً، ولا دولتين فلسطينية وإسرائيلية.

وهذا هو المطلوب إسرائيلياً، وهو أكثر من الموافقة على إقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، أي ترك إسرائيل تقرر من ناحيتها مصير شعبنا بما يضمن لها ما تريده من أرض وسماء؛ لذلك ستستمر حكوماتها المتعاقبة بمواصلة الاستيطان.. رغم إصدار مجلس الأمن 12 قراراً ضد الاستيطان الإسرائيلي للأراضي المحتلة.

 ماذا نحن فاعلون؟

إذا كان الرئيس قد كرر: هل أنتم فاعلون؟ ثلاثاً، فإننا نكرر السؤال نفسه لأنفسنا عشرة ومائة وألفاً!

الجواب شعبياً وحكومياً:

  • فعل اقتصادي: تصدير الجوافة إلى الأردن الشقيق، بالتعاون بين طواقم وزارة الزراعة والغرفة التجارية، ما يعزز صمود المزارع الفلسطيني ويدعم اقتصاد قلقيلية التي تتعرض إلى حملة تهجير ممنهجة يمارسها الاحتلال بحقها، على أمل في زيادة صادراتنا إلى الدول العربية مما نصنعه ونزرعه ومما تجود به أرضنا. فهل تقوم مؤسساتنا بما يكفي في سبيل تقوية المزارع والصانع؟
  • فعل علمي، بعودة الحياة إلى جامعة بيرزيت حاملة مشعل التنوير الوطني في فلسطين، من خلال التفاهم بين إدارة الجامعة ومجلس الطلبة، وبالإمكان فعل ذلك في فترة مبكرة أكثر. لماذا الفعل العلمي؟ لسبب طبيعي وإنساني ووطني، وهو أن يصبح التعليم العام والعالي خطاً أحمر.
  • فعل ديمقراطي، باستئناف التحضير للانتخابات بجميع أنواعها.
  • فعل تصالحي داخل الأطر نفسها، وبينها وبين بعضها بعضاً.
  • فعل تنويري، يقوم على المشاركة في عمليات التغيير، دون إقصاء لأحد.
  • فعل تنموي حقيقي، يتجاوز المحدود من العمل التنموي إلى ما هو مستدام على الأحقية لا التمني.
  • فعل تربوي وفكري وثقافي.
  • منظومة من الأفعال المتكاملة التي تلبي استحقاق الوجود الفاعل لشعبنا، بتطوير خدماتنا، بما يحسن من صورة مقدمي/ات الخدمات، وبما يقوي العلاقة السياسية والوطنية بين الشعب والقيادة.

لكن للأسف، فإن هناك أفعالاً تزيد من معاناتنا، وتضعفنا وتشرذمنا، وهي التي تنطلق من منطلقات ذاتية يسعى مطلقوها وراء مصالح ضيقة، فكل ما يعيدنا إلى الوراء مرفوض.

في ظل ما نشهده من طريق يكاد يكون مسدوداً في إنجاز اختراق تفاوضي مبني على مبادرات دولية، عبر باريس وموسكو، فإننا وفي ظل ما نشهده من أنواع العقاب الجماعي، نحتاج فعلاً إلى حماية دولية، لا مجرد رقابة تعدّ العصي. وهذا ما طلبه الرئيس في نيويورك.

لقد شكر الرئيس تخصيص مجلس الأمن جلسة خاصة –Arria Formula – للبحث في إمكانية توفير الحماية الدولية لشعبنا، حيث سنكون بحاجة لفعل أممي حقيقي، يضمن الحماية للمدنيين بانتظار نتائج المفاوضات القادمة، وما يمكن أن تفضي إليه من حق تقرير المصير.

أمامنا الكثير لنبدعه، في الطريق إلى التحرر، وبعده سيكون في مقدورنا الإبداع الإنساني أكثر وأكثر.

العامل الذاتي هو ما أعوّل عليه رغم احترامي للإرادة الدولية، وبه استطاعت معظم الشعوب تحقيق خلاصها.

والعامل الذاتي-الوطني، هو الطريق للتأثير على الدول والحكومات، أكانت أربعاً أو ثماني، أو ما هو أدنى وأكثر.

احترامنا لذاتنا وذواتنا سيقوي احترام الآخرين لنا.

العامل الذاتي-القومي هو ما سيضمن أصلاً العامل الوطني الوحدوي لكل قطر عربي شقيق، وفي ظل هذا الوعي والالتزام، نحن بحاجة إلى فعل عربي نشيط، يشعرنا بسلوك الأخوة تجاه قضاياهم، وألا يصبح تعاطينا مع قضايانا العربية أمراً ثانوياً.

لذلك، فقد شهدنا مؤخراً عودة لنشاطات حركة «فتح» ومنظمة التحرير على الصعيد الدولي في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وتنشيط صداقاتنا وتحالفاتنا مع الحركات والأحزاب في العالم؛ لأهمية حركة الشعوب في التأثير على الحكومات، وبالتالي على الأمم المتحدة، والحكومات.

كذلك يمكن تنشيط الشتات الفلسطيني، فللجاليات الفلسطينية دور فاعل وإن تم تفعيله فإننا نكسب جهداً وطنياً في الخارج.

وفي النهاية، إن محصلة الجهود السابقة فلسطينياً وعربياً ودولياً، ستجعلنا نقطف ثمار الفعل الفلسطيني، بتحقيق أهدافنا المشروعة.

قضيتنا عادلة جداً، ونبيلة، وتجد بسهولة حركة تضامن عربي ودولي، وكل ما تحتاجه هو تمتين جبهتنا الداخلية، والمساهمة في إنجاز المصالحة العربية، أكانت داخل الأقطار العربية، أو بينها، وفي هذا الصدد أزعم أن فلسطين شعباً وقيادة، وفصائل، قادرة على فعل المبادرة، من خلال تأكيد أن فلسطين المحتلة تقع على مسافة واحدة من الأشقاء، فنحن معهم جميعاً، لا مع أحد ضد أحد.

إن المسؤولية الوطنية والقومية اليوم تحتم على شعبنا وقيادتنا الإلحاح على تحقيق المصالحة العربية من خلال تحقيقها هنا في فلسطين، لتكون بداية التصالح، لعل الشاعر قصد شيئاً من هذا، حين قال حافظ ابراهيم:

هذه يدي عن بني مصر تصافحكم

فصافحوها تصافح نفسها العرب

ولعلنا نعود إلى قصيدة إبراهيم «لمصر أو لربوع الشام تنتسب»، لنختبر التاريخ والجغرافيا، وما يجمعنا من قيم، ونحن نمضي للمستقبل.

ثمة ارتباط بين الخلاص الوطني والقومي، وثمة ارتباط بين الوجود الفاعل والصديق للعرب بينهم وبين بعضهم، وبيت التأثير الدولي.

هناك في نيويورك، عاصمة العالم، وهناك في عواصم الشعوب والحكومات، ما يمكن تحقيقه، إذا أردنا، وما زال في الطريق طريق.

الاخبار العاجلة