المتدينون الجدد وقانون الزندقة… وقطاع غزة

1 أكتوبر 2016آخر تحديث :
حماس
حماس

 بقلم أنور رجب نقلا عن الحياة الجديدة

قبل أسابيع نشر أستاذ يحمل درجة البروفيسور في التاريخ الإسلامي، ويحاضر في الجامعة الإسلامية بغزة دعوة يطالب فيها المجلس التشريعي في غزة بسن قانون “الزندقة”، بحيث يحدد من هو الزنديق ويبين فيه عقوبته وفق الشرع، كما طالب بمقاطعة “الزناديق” فلا يُزوجوا، ولا يُوظفوا ولا يُؤجروا ولا يُكلموا ولا يُستأمنوا على شيء، ثم يغوص عميقا في التاريخ مستذكراً أمراء المسلمين ممن كانوا لا يضيعون وقتاً طويلاً في إقناع هؤلاء “الزنادقة” وإنما يخيروهم بين التوبة أو القتل بحد السيف. وهذا يذكرنا بمشهد الأطفال الذين تمت استتابتهم قبل أشهر في احد مدارس غزة وسط أجواء “مشحونة بهالة إيمانية ومشاعر جياشة حد البكاء”، أكان هؤلاء الأطفال زنادقة؟ وهناك العديد من الأمثلة المشابهة لأراء وأفعال داعشية حدثت في قطاع غزة لا مكان لحصرها هنا. ما نراه في هذه الدعوة أنها تحريض واضح وفتوى تبيح قتل كل من يخالفهم الرأي ممن وصفهم الداعي ب “أصحاب الشطحات العقائدية”، وما نراه نحن بأنهم أصحاب كلمة حق في الدفاع عن الدين، في وجه من قدموا الإسلام بصورة مشوهة، وتبيان عوار استغلالهم له وتطويعه وتوظيفه في خدمة أجنداتهم الحزبية والسياسية والشخصية.

جاءت هذه الدعوة في سياق الرعب الذي ينتاب جماعات الإسلام السياسي إذا ما وجدوا من يسعى لكسر احتكارهم للمسألة الدينية، وتبيان حجم التناقض بين التنظير والتطبيق في السلوك والممارسة، فيشهرون في وجهه سيف التكفير، إذ برزت في الآونة الأخيرة في قطاع غزة ظاهرة جديرة بالاهتمام والمتابعة والرعاية، وهي غير منفصلة عن ظواهر مشابهة بدأت تبرز في المنطقة العربية عموما كامتداد لظواهر تاريخية ومعاصرة مشابهة ذات علاقة بما يمكن أن نسميه التنوير أو الإصلاح أو التجديد الديني، والملفت للنظر في ظاهرة قطاع غزة أن أصحابها جاءوا من خلفيات تنظيمية وفكرية مختلفة فمنهم قيادات سابقة في حركة حماس، وآخرون من الجهاد الإسلامي، وبعضهم من جذور يسارية، إلا أن ما يجمعهم هو الجرأة في مواجهة الأفكار الدينية المتطرفة والمنحرفة وتبيان زيفها، وتصديهم وسعيهم لكسر احتكار هذه الجماعات لتفسير ولي عنق النص الديني وتطويعه وتوظيفه في خدمة رؤيتها وإستراتيجيتها بغض النظر عن مضمونه الديني الحق.

يتخذ أصحاب هذه الظاهرة من وسائل التواصل الاجتماعي ساحة لمعاركهم، ويحاججون بما لديهم من علم ومعرفة بأمور الشريعة ومقاصدها، ويسعون لتقديم الصورة الحقيقة للدين الإسلامي، وتنقيته مما علق به من شوائب وتشويه بفعل أراء وممارسات جماعات الإسلام السياسي وأخواتها من الجماعات الإرهابية. وتأخذ مشاركات وكتابات أصحاب هذه الظاهرة بعدين سياسيا وفكريا، أما في البعد السياسي فينتقد بعضهم بقوة وجرأة ممارسات وسلوك حركة حماس، وما أنتجه حكمها من أمراض كان لها آثار كارثية على بنية المجتمع الغزي، وآثار سياسية تدميرية على القضية الفلسطينية، وتبيان حجم التناقض بين ما تدعيه من طهرانية ونقاء وما تمارسه من سلوك منافي لشعارها “هي لله هي لله ليس للسلطة أو للجاه”. أما البعد الفكري وهو الأهم فهو يتناول جوانب عديدة، ويطرق موضوعات وقضايا تكاد تكون من المحرمات التطرق إليها في مجتمعنا، بسبب تفرد أولئك في نشر فهمهم للدين، وغياب الرؤية الإصلاحية التي تتناسب مع صحيح الدين دون تشدد أو غلو، وبسبب ما توارثناه من فهم للدين في سياق الرواية التاريخية التي تحتاج إلى الكثير من المراجعة والتدقيق. ومن أهم ما يدعو له أصحاب هذه الظاهرة:

إعادة الاحترام للعقل الذي كرم الله الإنسان به، وإعماله في كل ما يصدر من فتاوي وتفاسير وكتب في الفقه والسيرة دون الالتفات إلى الاسم كون من يصدرها هم بشر يخضعون للصواب والخطأ، مع الاحتفاظ بحق كل إنسان أن يبدى رأيه دون خوف من القتل، أو خشية من رميه بالكفر والزندقة، على اعتبار أن الإسلام كفل حرية الرأي والتعبير. وفي هذا السياق جاء استنكارهم لعملية قتل المفكر الأردني ناهض حتر، بالرغم من تحفظهم على العديد من أرائه، ودافعوا عن ذلك بادلة وبراهين من القرآن والسنة.

إن التطبيقات التاريخية “الدين التراثي” ليست مصدراً يمكن الاعتداد به في فهم وتطبيق الدين، بوصفها صادرة عن مجموعة من البشر غير معصومين من الخطأ، ناهيك عن أنها لا تستوعب متغيرات الزمان والمكان. ومثال ذلك أن المذاهب تبلورت قبل حوالي 1200 سنة، مما يعني أنها تعبر عن مستوى تلك اللحظة، وليست مؤهلة بالضرورة لكل هذا التمدد المكاني والزماني، وفتاوي البشر لا تقدم على كلام الله.

انه لا يحق لأي شخص أو مجموعة أو حزب احتكار الدين، فالدين لله وهو القادر على حفظه وصونه وصيرورته.

الفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسة، على قاعدة “ما دخل الدين في السياسة إلا وأفسدها، وما دخلت السياسة في الدين إلا وأفسدته”. بيد أن الدين كمنظومة قيم لابد وان يكون حاضرا في صلب السياسة من خلال القانون الذي يتكفل بحماية الحريات والعدالة والمساواة.

الدفاع عن الديمقراطية بوصفها الآلية القادرة على حفظ المجتمع وصونه وتطوره، في ظل عدم وجود نموذج ناجح للحكم الإسلامي يمكن الاقتداء به، والاهم أن المصدر الرئيسي للدين الإسلامي وهو القرآن لم يتحدث عن نظام حكم إسلامي، سواء كانت الخلافة أو غيرها.

الاخبار العاجلة