نادر حاج عمر.. أن تحترق مكتبتك فتفوز بـ”كتارا”

20 أكتوبر 2021آخر تحديث :
نادر حاج عمر.. أن تحترق مكتبتك فتفوز بـ”كتارا”

يامن نوباني

من إجزم جنوب حيفا، هجرت عائلته عام 1948، إلى مخيم اليرموك في دمشق، هناك حيث بدأ آلاف المهجرين الفلسطينيين حياة اللجوء، وسط الخيام والصفيح، الحر والبرد، الحاجة والجوع، دون أن ينسوا أن هناك وطنا ينتظر عودتهم، وحياة لا مناص من التأقلم معها، والعلو في مهن ومواهب ومنافٍ متعددة.

نادر منهل حاج عمر (59 عاما)، المقيم حاليا في مدينة إيسن الألمانية، أحد الفائزين بجائزة “كتارا” للرواية العربية، في دورتها السابعة، عن فئة الروايات العربية المنشورة، حيث تبلغ قيمة كل جائزة في هذه الفئة 60 ألف دولار، إضافة إلى ترجمة الروايات الفائزة إلى اللغة الإنجليزية.

تلقى نادر تعليمه في مدارس وكالة الغوث في مخيم اليرموك، وثانوية اليرموك، ليتخرج من كلية الهندسة المدنية عام 1984، ويعمل في وزارة السياحة حتى نهاية العام 1992. وخلال هذه الفترة حصل على منحة دراسية إلى ألمانيا لمدة عام في المجال الاقتصادي.

كما عمل مدرسا في المعاهد السياحية وأصدر كتابين بالمشاركة في هذا المجال، ولم يتح للكتاب الثالث أن يرى النور بعد أن احترقت أوراقه ومكتبته.

عمل نادر في مكتبه الخاص في مخيم اليرموك حتى عام 2006، حيث سافر إلى الإمارات العربية المتحدة، بقصد العمل، ولم تطل إقامته بعيداً عن دمشق، فعاد بعد أقل من عام. وتابع عمله في شركات البناء، إلى أن بدأت الأزمة في سوريا، وتوقف العمل، فسافر إلى أربيل في عام 2013، ثم حط به الرحال وعائلته في ألمانيا في نيسان عام 2016.

كان لوالده الدور الأهم في توجيهه إلى القراءة. مع مرور الوقت ازداد نهمه للقراءة، ولم يعد التوقف ممكنا.

كتب بعض الشعر، لكن الرواية كانت هاجسه، وقام بمحاولات عديدة، بدايات كثيرة، لم يتمها، وبقيت أوراقاً، أو دفاتر مجموعة في أمكنة مخصصة في مكتبة بناها على مدار ما يزيد على ثلاثين عاما، وراحت جميع الكتب والدراسات والأوراق والدفاتر في الحريق.

بعد وصوله ألمانيا قرر أن الوقت حان ليقدم روايته الأولى “رحيل” التي صدرت في عام 2018، في دمشق عن دار الزمان للنشر.

عن إجزم قال نادر لـ”وفا”: إجزم هي الحكاية الدائمة في سهرات العائلة، حكايا الأرض، والزراعة، والعمل، والثوار، والأسرة، والزواج، والأعراس..

حكايا تناولها الأب والأم والجدة بشغف وشوق، أعرف كل شيء عنها كأني عشت فيها.

وعن الأماكن التي عاش فيها، قال: “دمشق عشقي الأبدي، دمشق العصية على التغاضي أو التجاهل أو النسيان…”، وفي الإمارات العربية المتحدة عملت كمهندس مدني لمدة عام 2006-2007، ثم انتقلت إلى أربيل بحثا عن عمل في عام 2013 بعد اندلاع الأزمة في سوريا، وعملت فيها كمدير مشاريع، والسفر يغني التجربة، فقد شهدت في رحلاتي نماذج للعلاقات الإنسانية وعذابات الإنسان.

جميل أن تكون لديك مكتبة

عن علاقته بالكتاب وتاريخ مكتبته، قال نادر: بدأت تأسيس مكتبتي منذ طفولتي المبكرة، وبتشجيع مباشر من والدي، في البدء كنت أحظى بمكافأة مادية مقابل شرح كتاب قرأته لوالدي، إلى أن أصبحت مشكلتي الحصول على الكتاب، بعد أن صار شغفا.

إحدى متعي الكبيرة هي الوقوف أمام مكتبتي أبحث فيها عن كتاب أعيد قراءته. فلكل كتاب حكاية، حكاية الأيدي التي تناقلته، من حكى عنه، وما الذي دفعني لاقتنائه، متى قرأته، وماذا وجدت فيه، تضمنت المكتبة طيفا واسعا في تعايش للتناقضات على الرفوف الخشبية.

هي جزء من الجمال الذي عايشته. احترقت المكتبة في أحداث حريق البيت المقابل في مخيم اليرموك، وانتقل الشرر وأتى الحريق على كل أوراقي، ووثائقي، ومذكراتي، وكتبي. في ألمانيا لم أمتلك مكتبة، لدي روايات وبعض كتب علم الاجتماع. هي بداية لبناء مكتبة من جديد.

وتابع: في دمشق تابعت أنشطة ثقافية وأمسيات، كنت واحدا من الجمهور، كانت هناك أمسيات درويش ودحبور وخالد أبو خالد ومعين بسيسو، الشيخ إمام، ليانة بدر، مظفر النواب، أبو عرب….

وبين: حاليا أخصص وقتا للقراءة وأقرأ بنهم، وأخصص وقتاً للكتابة، وأكاد لا ألتقي أحداً من الوسط الأدبي. بقيت كتاباتي التي عملت عليها حبيسة إلى أن اتخذت القرار بأن الوقت حان فكانت (رحيل).

اقتصر تكويني الثقافي على كتاب “رحيل” والقراءة المستمرة. وساهمت الأنشطة الثقافية بدور بسيط في هذا الاتجاه، ولم تكن لي نشاطات مشتركة مع أحد وحول أعماله الأدبية، قال نادر: “رحيل” هي العمل الأدبي الأول الذي أردت توثيقه ليكون بمتناول الجميع، بعد أن أحرقت كتبي ودفاتري وأوراقي، أنجزت عملي الروائي الثاني: “مدن الضجر” ونلت عنه جائزة كتارا للرواية العربية في الدورة السابعة لفئة الرواية المنشورة للعام 2021 المعلن عنها في 13.10.2021. والرواية الثالثة “حورية في الجحيم” 2021.

عن باكورة أعماله الأدبية “رحيل”، قال نادر: رحيل هي قصة بحث عن نجاة، يستمر الرحيل ويتوارثه أبناء الشرق، تتمازج فيها أزمنة القهر، ويشتد فيها الألم ويعلو الصراخ.

تدور الأحداث الرئيسية في الرواية في أحد البلدان الأوروبية التي استقبلت اللاجئين، دون تحديد البلد.

هي رواية تحكي قصة مجموعة أشخاص عاديين اجتمعوا في زاوية في بلد اغتراب، رحلوا هرباً من الحرب، من أجواء الرعب والتوحش عن ملاذ آمن (كان الطريق وعرا، مقفرا، محفوفا بالضياع، بالموت مليئا بالوحدة والمرارة، يصغر الكون، يتحول إلى صحارى لا ملاذ منها، لا ملاذ فيها).

كان حسن الصغير ابن الشهيد حسن، الذي لم يحصل على اعتراف باستشهاده في حرب 1982 في بيروت، سجل مفقوداً، يروي حكاية جدته التي ربته، المرأة التي أحبها الجميع والتي اغتيلت في مشهد مؤثر وهي بانتظار عودة ابنها.

يبحث حسن في لجوئه عن ذاته، ويبدأ البحث للعمل كسائق قطار ويبدو قادرا على الاندماج.

فقد خالد ابنته في ظروف حصار، وقام بدفنها بيديه، معتبرا ذلك أفضل ما حصل له في تلك الفترة، ذلك أنه فقد أخاه وابنه، وهما في طريقهما للخروج خارج سوريا. يحكي خالد قصة حياته ممتلئاً بالانكسار والهزيمة، يموت والد خالد متجمدا في وطنه. وعندما يلوح بصيص أمل في العثور على أخيه قرر العودة. وعندما يتأخر عن العودة إلى البيت يبحث عنه أصدقاؤه وعندما يجدونه يكون قد تكوم على نفسه على مقعد خشبي في الغابة القريبة.

يضفي سعد على الجو حس الفكاهة، ويثير المرح في الأجواء، يتمتع بروح شابة وثابة، يمتلئ بالحياة، كان قادراً على التغير والاندماج: (ابتسم لنفسك وأخبرها أنك على قيد الحياة…)، (نساء العالم أوطاني….). حاول دائما مساعدة أصدقائه في الخروج من أجواء الكآبة.

ينضم إلى المجموعة بشكل متأخر رجل دين، وتأخذ العلاقات شكلا مختلفا بعض الشيء، لكن الحكمة اقتضت القبول بالآخر.

كان عبد الله الراوي الرئيسي يمثل الرابط الأبوي، يتابع الجميع، يروي حكايته في الوطن، حكاية رحيله في تمازج مع ذاكرة والدته التي تروي قصص رحيلها في أكثر من محطة. في مشاهد تؤكد استمرار الألم في منطقة الشرق.

يعود عبد الله فجأة إلى سوريا، بعد أن جاء خبر فقد ولده ابراهيم في عملية اختطاف. ويترك خلفه أوراق الرواية بيد حسن الذي يقرر نشرها بناء على توصية عبد الله. في الرواية يعيد التاريخ صورا متشابهة، يجمعها البؤس والخراب، وتكرر الحروب ويلاتها.

بين زهرة التي انفجر قلبها الصغير في رحيل النكبة أثناء المسير والتي تم دفنها في مكان لم يعد الوصول إليه ممكناً، وبين أغيد الذي استشهد في زمن الخراب في مخيم اليرموك أكثر من جيلين، لكنهما يلتقيان خارج الزمن. بين ابراهيم الأخ وابراهيم الأبن حكاية فقد، بينما يتابع الألم مسيرته.

تدعو الرواية إلى التسامح والغفران والعمل بين الجميع لإعادة الوطن إلى ما كان عليه: (هو واقعنا الذي تعجز الروايات عن الإحاطة به.. ربما في عالم آخر.. كان يمكن أن أسميها بقايا وطن، بقايا من الوطن.. نحن هنا البقايا، وهو بقايا، سيظل كذلك إلى أن نعود، أن نبدأ البناء، نستمر به ويستمر بنا، إلى أن يملأ الحب الهوة التي حفرناها بأيدينا، ورمينا أبناءنا فيها، بعد أن ينطفئ الجحيم الذي أوقدناه).

وحول “مدن الضجر” الفائزة “بكتارا”، قال: مدن الضجر رحلة عمر خارج الوطن، يبدأ الحلم في الوطن، يتسع، يتمدد خارج جدرانه العالية، تتوق أرواحنا للانطلاق، للتحليق، للانعتاق، يغرينا البريق في فضاءات الغير.

حلمَ عبد الحليم بالسفر دائماً خارج غزة، يقول لخالد: “انظر ماذا يجري في الخارج!” يرد خالد: “…أنا مثل السمك، إذا خرجت من غزة سأموت!”.

يبدأ سفره إلى دمشق لتحقيق حلم والده بدراسة الهندسة، امتلأ بالحلم، فرحاً بحرية طارئة، قبل أن تتبدد سريعاً أوهامه، ويبدأ الفشل والخيبات.

في أوج انسجامه يفقد عبد الحليم أصدقاءه الثلاثة دفعة واحدة، حياة حب العمر، وجابر الصديق الذي لا يتكرر ورقيّة المرأة الظاهرة التي أحبها جابر، “من يجرؤ على البحث في حقول ألغام بلا خرائط؟ البحث عن ثلاثة أصدقاء كانوا عالمي الذي أحب، اختفوا دفعة واحدة، رقيّة كانت أقل اختفاء وأكثر ما يشعرني بقزامتي وعجزي، أثار اختفاء جابر حيرتي، لم يتصل كما وعدني، جابر لا يخلف وعوده….”. لم يستطع عبد الحليم الخروج من حالة عشقه لحياة: “ماذا بقي لي إذا تسربْتِ من زمني؟!”. يلتقي عبد الحليم رقيّة مرة أخرى بعد خروجها للضوء، ويستمر غياب حياة وغياب جابر. تحاول رقيّة برفقة عبد الحليم التصالح مع الواقع، “……أحاول استرداد علاقتي بالوقت، وجودك يساعدني، لكن لا تحاول الضغط، أرجوك”، بقيت بانتظار جابر الذي لا يأتي، وعادت إلى الريف أخيرا لتبقى في أرضها تتابع انتظارها.

بعد وصول عبد الرحيم من الكويت إلى بيت عبد الحليم شقيقه في مخيم اليرموك زمن الحرب العراقية- الكويتية تبدأ مرحلة جديدة من حياة عبد الحليم، بعد أن يفقد الأمل في العثور على حياة التي لم تترك له أثراً يتبعه، يفاجئ نفسه “بالزواج من امرأة عادية، لا تصلح لملء الوقت أو الحياة،…”، تمضي حياته بشكل عادي، يتناوبه الإحساس بالخيانة بين حياة حب عمره وسميرة زوجته. ينجب ثلاث بنات، ويعاجله القدر بأحداث مؤلمة. في الرواية أسئلة كثيرة، ربما لا يحتاج الكثير منها إلى إجابات. تحاول الرواية التأكيد على أننا نستمر في البحث عن الوطن: “تبحث في المنفى عن وطن، أو مفهوم وطن، عن بديل، عن شيء تسد به حاجتك لوطن، لجوع مزمن، تَعْبر به لون الفجيعة، وصوتها وصورتها” “كان عليّ أن أعود فقد أجد بعض أهلي، الذين نقصتهم ونقصوني في رحلة غير عادلة، كنت فيها الجاني والمجني عليه”. ها هو عبد الحليم يعتذر وهو يرغب بالعودة: “أن تعود إلى وطن يشرف سارقوه على حجم الهواء الذي تملأ به رئتيك يعني أن تبحث عن استرداد الهواء، واسترداد الأرض، واسترداد البحر”، “كيف ستستقيم الأمور؟ لا بديل عن الوطن، كيف تسترد نفسك، إذا لم تسترد الوطن”. متقاطعاً بهذا المفهوم مع نزار الذي قال له في رسالته من ألمانيا: “أشد بؤساً هو العيش بعيداً عن بؤسنا يا صاحبي.. أكثر خرابا أن نعيش بعيداً عن خرابنا، الوطن قدر”.

تدور أحداث وتفاصيل ترتبط فيما بينها بحكايا الوطن والحب، الرحيل والغياب، في مشاهد تعاطي الحياة في الشرق، تستمر الأشواق، ويستمر الحب، ولا تنتهي عذابات الشرق.

_

الاخبار العاجلة