محاربة الإرهاب لا تتجزأ

22 يناير 2017آخر تحديث :
محاربة الإرهاب لا تتجزأ

بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة

 لا يوجد في العالم عموما وأميركا خصوصا رئيس منتخب بالإجماع. لأن مطلق رئيس له رؤية وبرنامج سياسي واقتصادي وأمني، لا يتوافق مع الخصوم السياسيين. ولكن السمة العامة لانتقال السلطة في الولايات المتحدة تكون سلسلة وبشكل ودي وديمقراطي، ودون منغصات وتوترات. لكن ما حدث مع الرئيس دونالد ترامب، الذي نصب اول أمس، ومنذ أُعلنت النتائج في الثامن من نوفمبر/ تشرين ثاني 2016 والولايات المتحدة تشهد حملة احتجاجات، حسبما أعتقد، لم تشهدها من قبل تجاه شخص أي رئيس منتخب. فيوم الجمعة (يوم التنصيب) الموافق الـ20 من يناير الحالي، شهدت العديد من الولايات والمدن الأميركية احتجاجات ضد شخص الرئيس الـ45، منها: واشنطن، نيويورك، بنسلفانيا، ألينوي، كاليفورنيا، ماساتشوستس، نيفادا. وقدرت بعض المصادر الإعلامية حجم المحتجين بـ250 الف والبعض الآخر قدرها بـ400 الف من الأميركيين. ولم تقتصر الاحتجاجات على أميركا، بل شملت يوم السبت (أمس) المئات من الاحتجاجات والمظاهرات المنددة في مدن العالم المختلفة، قددر عددها بـ673 مظاهرة، بدأت في مدينة سيدني باستراليا ونيوزيلندا وستمتد للقارات المختلفة. رفع المحتجون هنا او هناك شعارات منددة بترامب، منها: “ترامب ليس رئيسي” و”أسود يوم في تاريخ أميركا” و”غير مؤهل للحكم” و” لا لترامب.. لا للحرب” و”الثورة بدأت للتو” و”هذه ليست النهاية” و”قاتلوا العنصرية” و”ترامب غبي” و”إحموا حقوق المهاجرين”…إلخ

هذا المشهد المتفاقم من الاحتجاجات داخل وخارج أميركا، كان يحدث ضد سياسات الولايات المتحدة في فيتنام والعراق وغيرها من الدول. لكن لم يحدث ضد تولي رئيس بعينه، كما حصل ويحصل الآن مع الرئيس الأميركي الجديد. ومواقف القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية المحتجة ليست ضد شخص ترامب الإنسان، إنما ضد تصريحاته العنصرية وبرنامجه ومنطقه غير السوي، الذي جانب فيه الصواب، ليس فقط ضد الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية في الخليج، وإنما سياساته وتصريحاته ضد المكسيكيين والمسلمين والسود والملونين عموما من الأميركيين انفسهم. وهو ما يكشف عن عنصرية متأصلة.

 ولا يختلف أي عاقل مع شعار الرئيس ترامب بمحاربة الإرهاب. ولكن ساكن البيت الأبيض الجديد، لا يميز بين مسلم ومسلم، بين إنسان وأخر. وإذا كان فعلا يريد ان يحارب الإرهاب الإسلاموي، فعليه ان يعود لتصريحاته نفسه، عندما قال: “إن السي آي إيه وإدارة اوباما، هي من صنعت “داعش” و”النصرة” وغيرها، وهي التي دعمتها”. وبالتالي عليه ان يجفف منابع الدعم لها اولا، ويأخذ معلوماته عن قادتها ومراكزها ويصدر تعليماته لتصفيتها ثانيا. وليس كما قال، ساتركهم يتصارعون (داعش والنظام السوري او غيره من الأنظمة العربية) حتى يخلصوا على بعض؟! هذا لا يعكس رؤية سليمة للتخلص من الإرهاب، بل تساهم في تعميق الإرهاب، وتهيئ له المناخ للإنتعاش أكثر فأكثر. وقبل ذلك عليه إن كان جادا في محاربة الإرهاب، ان يحارب الإرهاب الإسرائيلي، لإنه شريك السي آي إيه وإدارة اوباما، لا بل هو أصل الإرهاب، لأن مطلق إحتلال، هو منتج للإرهاب. فكيف تستقيم اللوحة والقراءة الترامبية عندما يميز بين إرهاب وإرهاب؟ ألا يعكس ذلك تناقضا كبيرا، وتجزئة للإرهاب ومنابعه؟. أم انه يريد نتيجة النزعات العنصرية المتأصلة في وعيه وسلوكه ضد المسلمين والعرب، تصفية حسابه معهم بذريعة تصفية الإرهاب؟ مواجهة الإرهاب إن كان ترامب صادقا فيما ذهب إليه لا تتجزأ، انما هي عملية متكاملة. فإما تطهير كل مراكز الإرهاب او الكف عن تضليل الرأي العام الأميركي والعالمي بشعارات مجتزأة وعنصرية ومنتجة للإرهاب. وبالمناسبة، الرئيس ترامب، هو حفيد أحد قادة “كلوكسيكلان”، وهي المنظمة العنصرية الأميركية، التي نادى قادتها واعضاؤها بإبادة السود والمهاجرين. ومن تصريحاته ومواقفه وممارساته، أكد انه ينتمي لذات المدرسة، ووفيا لمبادئها العنصرية. ومن يعود للولايات، التي اسهمت في نجاحه، ومن تابع المشاركين في تنصيبه قبل يومين، لاحظ ان عدد المواطنين الأميركيين السود والملونين محدود جدا جدا، بل لا يكاد يُرى لولا وجود بعض القضاة على المنصة. وما ذكره ترامب من انه لا يميز بين مواطن وآخر بغض النظر عن لونه، لا تقاس مصداقية ذلك بالإعلان من على منبر الخطابة، انما بالممارسة العملية. فالمساواة بين المواطنين الأميركيين وبين اشكال الإرهاب المختلفة معاييرها التطبيق على الأرض. فهل يكون الرئيس ال45 للاميركيين جميعا؟ وهل يحارب الإرهاب وأوكاره ومنابعه كلها أم سيقصرها على الجماعات التكفيرية الإسلاموية؟ الجواب سيتضح خلال ايام معدودة من حكم الرجل.

الاخبار العاجلة