كيف وصلت إسرائيل إلى لحظة الصدمة؟

24 أكتوبر 2023آخر تحديث :
باسم برهوم احتمالات ممكنة

صدى الإعلام _ الكاتب: باسم برهوم – لم تصل إسرائيل الى هذه الحرب التي تقول انها وجودية، او حرب “حياة او موت” الا لانها انتهجت إستراتيجية سياسية تقطع الطريق من خلالها امام حل الدولتين ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة بأي ثمن، ونحن نتذكر النشوة الإسرائيلية في حقبة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب عندما اعترف بالقدس عاصمة “للشعب اليهودي”، واقترح صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية، وكادت إسرائيل بالفعل من تحقيق هذا الهدف.

وفي تفاصيل هذه الإستراتيحية قامت إسرائيل، وخاصة نتنياهو واليمين الإسرائيلي بالسياسات التالية: اولا، تقويض اتفاقيات اوسلو وتفريغها من اي مضمون بالتزامن مع سباسة ممنهجة لاضعاف السلطة الوطنية وإظهارها بأنها لا تحظى بالدعم الشعبي. ثانيا، ادارة ظاهرة الانقسام الفلسطيني، فالعنصر الاهم بالاستراتيجية الإسرائيلية هو منع وحدة جغرافيا الدولة الفلسطينية بمنع عودة قطاع غزة للسلطة الفلسطينية الشرعية وابقاء إنفصاله عن الضفة، وهنا لا بد من الاشارة إلى ان دولا عربية ساهمت وعززت فكرة إدارة الانقسام وتعميقة.

ثالثا، منع إقامة دولة فلسطينية عمليا وعلى الارض، من خلال تكثيف وتوسيع الاستيطان والتهويد تمهيد لخطوات الضم، ضم الاغوار، ومعظم مناطق “سي”.

وبالتزامن مع ذلك ساد الاعتقاد لدى إسرائيل ان المجتمع الدولي قد تخلى عمليا عن حل الدولتين بالرغم من انه يحافظ لفظيا وكحزء من العلاقات العامة على هذه المقولة. وفي مقدمة هؤلاء الولايات المتحدة التي تماهت كليا مع السياسية الإسرائيلية، وكانت داعمة لها في مسالة ادارة الانقسام الفلسطيني وتحث دول عربية للانخراط مع إسرائيل لادامته وتبرير عدم التزامها الجدي بحل الدولتين. كما شكل انهيار دول عربية مثل سوريا والعراق وخروجهما من حسابات إسرائيل كتهديد مباشر. بالإضافة الى الهدوء على الجبهة الشمالية لاكثر من 17 عاما، كل ذلك ساهم في إسترخاء إسرائيل وعزز الاعتقاد بان لا تهديد حقيقيا في هذه المرحلة.

إسرائيل المتغطرسة اعتقدت انها اجهزت على الواقع الفلسطيني، واخترقت الواقع العربي والتطبيع معه دون الحاجة لانهاء إحتلالها لأرض الفلسطينية، ومن دون الحاجة لان تكون هناك دولة فلسطينية على خارطة الشرق الأوسط. وفي وعي اكثرية الاسرائيليين اليوم ان نتنياهو هو المسؤول عن هذه الإستراتيجية وخاصة فيما يتعلق بإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وتقوية سيطرة حماس في القطاع وإدامة الانقسام. خلال الايام الماضية من اندلاع الازمة قرأت وشاهدت مقابلات مع مسؤولين إسرائيليين سابقين من اليسار والوسط، مثل ايهود براك وايهود اولمرت وحتى يوسي بيلين، احد عرابي اوسلو في الجانب الإسرائيلي، جميعهم اشاروا ان الى ان إسرائيل تدفع ثمن سياسة اتبعها نتنياهو طوال العقدين الماضيين، عبر معادلة يقوم خلالها باضعاف السلطة الوطنية .

الصدمة الكبيرة التي تلقتها إسرائيل جاءت نتيجة لغطرسة نتنياهو واستراتيجية التنكر للحقوق الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية، وهنا لا بد من الإشارة الى ان ليس معظم الاسرائيليين من يرى حقيقة بؤس هذه السياسات، وانما صناع القرارات في العالم حتى تلك التي تقف مع إسرائيل حتى العظم في حربها الحالية، وبالضرورة وعندما ستنتهي الحرب سيتم فتح الملفات وطرح الحقائق ومطالبة إسرائيل بإعادة النظر بكل هذه ألإستراتيحية البائسة، فلم يعد القفز عن القضية الفلسطينية والذهاب الى سلام اقليمي ممكنا.

الحرب لا تزال في بدايتها، لذلك من الصعب الخروج في هذا الوقت المبكر بأية إستنتاجات ثابتة حول المرحلة التي ستعقب الحرب. من هنا ربما علينا وضع الاسئلة ومحاولة الاجابة عليها حول اليوم الثاني لانتهاء الحرب، وبخصوص ما يطرحه المسؤولون الاسرائيليين حول مستقبل قطاع غزة، سواء تلك التصريحات التي تلمح لاقتطاع اجزاء من القطاع، او تلك التي تتحدث عن سناريوهات حول من سيدير القطاع بعد انهاء إسرائيل عمليتها العسكرية، الحقيقة الاساسية بهذا الشان ان قطاع غزة ليس ارض لا صاحب لها، انه جزء اصيل من الدولة الفلسطينية ولا يتقرر مصيره بعيدا عن هذه الحقيقة.

القيادة الفلسطينية ابلغت الاطراف جميعها انها لن تعود الى قطاع غزة على ظهر دبابة إسرائيلية، لكنها تقبل بان تتحمل مسؤوليتها الوطنية في سياق تسوية سياسية تقود لحل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية على كامل الجغرافيا على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

الاخبار العاجلة