كرمل.. شاهد غائب على شعور الفقدان

27 أغسطس 2017آخر تحديث :
كرمل.. شاهد غائب على شعور الفقدان

رام الله- خاص صدى الإعلام– 27/8/2017 اقترب موعد ولادتها لطفلتها البكر، “كرمل”، وزوجها الأسير ياسين صبيح ما زال في المعتقل، الأسير ياسين لم يشارك زوجته الصحفية لمى غوشة مراحل حملها، لم يكن بقربها، ولم يمسك بيدها ليسندها، فاعتقال سلطات الاحتلال للشاب ياسين وسلبه لحريته كان العائق الأول أمام الزوجان اللذان لم يمض على زواجهما سوى قرابة السنة ونصف.

يقال أن الحب تسطره مصاعب الحياة، فتقول الصحفية المقدسية لمى ” لا أستطيع أن أقول أن ما أمر به تجربة سيئة، لأنني تعلمت منها كثيرا، وما زلت أتعلم، خاصة وأن زوجي ما زال قيد الاعتقال، لقد استفدت كثيرا من تجربتي، تعلمت كيف يمكن للإنسان أن يتقبل الأمر الواقع، كيف لازم يكون قوي، وكيف يستمد القوة من الاشخاص المحيطين به، وأن يحاول دائما أن يكونإايجابي، وأن يفكر وينظر إلى الإيجابيات التي تركتها له تجربته”.

وتتابع غوشة قائلة ” لقد أثرت تجربتي هذه على شخصيتي وعملي وعلاقتي مع زوجي، بالتالي هذه التجربة تمتلك من الإيجابيات أكثر من السلبيات، ففي كل مرة أصاب فيها بالضعف أحاول أن أتذكر الأمور الإيجابية من هذه التجربة”.

 تتحدث لمى وفي صوتها إرهاق الحمل، ورجفة الاشتياق لزوجها، إلا أنها ومع كل هذا الألم كانت تتكلم بقوة وتحدي، لقد تعاملت لمى مع ما وضعه الاحتلال أمامها وأمام جنينها، كتحد يجب أن تكون هي المنتصر فيه، فلم تندب حظها وتبكي على لحظاتها المسروقة، بل خلقت لنفسها ذكريات ترويها لابنتها وزوجها، فتقول غوشة ” بصراحة كان الشيء صعب، عادة يكون الزوجان سند لبعضهما البعض خاصة في السنة الأولى من الزواج، بالإضافة إلى الحمل الأول، بكل التفاصيل والفحوصات بكل الطلعات والدخلات وكل شيء”.

تأخذ لمى شهيقا وتكمل حديثها “في البداية كان الشيء صعب ومحزن بشكل كبير بالنسبة لي، لكن فيما بعد بدأت أتأقلم، صرت أقوم بالأمور لوحدي، بالإضافة لمساعدة أهلي وأهل زوجي، الذين حاولوا أن يغطوا مكان ياسين، دائما أحاول أن أنظر للأمر كتحدي بالنسبة لي وليس كنقطة ضعف، وبقنع حالي أنها فترة وستمر وهي مجرد أشهر قليلة كمحاولة مني لبث القوة لذاتي”.

عندما يتحول الصحفي من ناقل للحدث إلى جزء منه

 

الصحفية لمى اليوم ليست ناقلا للحدث، وإنما باتت جزءا منه، هي زوجة لأسير وأم لطفلة لم تأت على الحياة بعد، وستستقبل مولودتها البكر “كرمل” وزوجها ياسين قيد الاعتقال، ومع كل هذا، فهي تنظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس.

أم كرمل، لم تترك الميدان ولو للحظة على الرغم من تعب الحمل خاصة في أشهره الأخيرة، فكرمل كانت شاهدة على أحداث القدس التي اندلعت في الرابع عشر من تموز الماضي من جراء وضع الاحتلال للبوابات الالكترونية والكاميرات على مداخل وبوابات المسجد الأقصى، إضافة إلى حضورها الغائب للكثير من القصص والتقارير الصحفية التي أعدتها والدتها لتوثيق انتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين.

تغيرت نظرة لمى وطريقة تفكيرها خلال إعدادها للتقارير فتقول “بصير الواحد يحس أكثر بالناس، فلا يغطي القصة كخبر أو مجرد مادة صحفية مجبر على تحضيرها، وإنما يصبح عند الشخص بعد أعمق في تحليل الأمور وتفهم الناس، وحتى ردات فعل الناس يلي بتروحي عندهم تتغير لما بيعرفو انك بتعيشي جزء من هذه التجارب، يصبح هناك تواصل أفضل بكثير بيننا، وتخلق حالة من الراحة في التعامل، وبالتالي تشعرين أن هناك ثقة ومصداقية بالعمل بشكر أكبر”.

وتتابع لمى ” عندما يعيش الصحفي الحدث الذي يغطيه هذا الشيء يمنحه بعد إنساني أكثر من الصحفي الذي لم يجرب، لأنه يعايش نفس التجربة وبالتالي يتنبه على أمور لم يكن ملتفت لها سابقا”.

 

كرمل حاضرة في تغطية الأحداث!

 

على الرغم من حب لمى لعملها وإيمانها العميق بالقضية إلا أن شعور الخوف على الجنين كان ملازم لها في تغطيتها للأحداث، فتقول ” قمت بتغطية أحداث  القدس في الميدان، هذا الشعور كان متعبني، بتحسي انك بتتحملي مسؤولية أي ضرر ممكن يصير لهذا الجنين، بالإضافة إلى انتقادات الناس لي لكوني حامل ومستمرة في العمل في الميدان في ظل هذه الظروف المشتعلة”.

وتردف قولها ” لكن عملي هو شغفي للحياة، عملي ساعدني بشكل كبير في أن أخرج من معاناتي وأن لا أذهب إلى مرحلة الضعف، فكنت دائما أحاول أن أوفق بين العمل ومتطلباته دون تعريض الجنين للخطر، الحمد لله مرقت على خير عشنا اصعب واجمل ايام في احداث القدس وأنا على رأس عملي فيها، ولست نادمة أبدا عليها”.

 

عيد زواج في المعتقل

“أغرب شيء كان بالنسبة لي، هو الذكرى الأولى لزواجي بياسين، التي تزامنت مع زيارة له  في سجن جلبوع، كانت لحظات هذه الزيارة مؤثرة جدا، قبل سنة بنفس هاليوم كنا عم نتزوج، طبقنا السنة وهو كان قد أمضى 3 أشهر في المعتقل، فقديه أمور الحياة بتختلف في ظرف لحظات ووقت جدا قليل!” تقولها لمى وعلامات التأثر واضحة في صوتها، فهذه كانت إحدى أكثر الزيارات المؤثرة لأم كرمل.

تتابع لمى لتتحدث عن أحاديثهم في الزيارة وتقول ” أحاول أن أجمع الأمور والأحداث الإيجابية لأخبره بها، لكي أمده بالقوة لا الضعف، لكن بنفس الوقت، أحيانا، أكون مجبرة لإخباره ببعض الأمور السلبية لكي أفرغ عن نفسي، معظم محور أحاديثنا يتعلق بالمولود الجديد، الفحوصات والنتائج، إضافة إلى التطورات على حالتي الصحية، هذا هو المحور الأساسي الذي يجمعنا في هذه الفترة”.

 

ضغوطات لم تكسر الصمود

 

وكأي امرأة فلسطينية زوجها يقبع في المعتقل، تعرضت لمى للعديد من المضايقات والتهديدات من قبل سلطات الاحتلال، غير مراعين لوضعها الاستثنائي، أولا بهدف الضغط على زوجها الأسير، وثانيا عليها هي كونها صحفية تعمل في الميدان وتنقل معاناة المقدسيين بشكل خاص.

تقول لمى “من أول ما تم اعتقال ياسين، حاول الاحتلال أن يضغطوا علي كما غيري من عائلات الأسرى، لكن الشيء الذي يميز وضعي تحديدا، عملي المختص بالأسرى والشهداء ، فلم أتوقف بل بالعكس من ذلك استمريت بالرغم من الحمل والاعتقال والحبس المنزلي، كل هذا لم يشكل لي أي عائق، لأن هذا الأمر هو مبدأ الانسان ملتزم به حتى النهاية”.

كثرٌ هن النساء الفلسطينيات اللواتي اعتقل الاحتلال أزواجهن ولأعوام طويلة، فلمى ليست وحدها في هذه المعاناة، إلا أنها كانت تنشر القوة في روحها بطريقتها الخاصة، كانت مؤمنة وذات إصرار على مواجهة وضعها الاستثنائي، ” أنا الحمد لله وضعي ولا شي بالمقارنة بالعائلات الأخرى”، كلمات ترددها أم كرمل دائما لتثبيت أقدامها.

الاخبار العاجلة